عاجلمقالات

علي محمدين يكتب: ريمونتادا الدولار!

تشهد الساحة الاقتصادية المصرية فى الآونة الأخيرة موجة جديدة من ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، وهى ظاهرة ليست بمعزل عن التطورات العالمية المتسارعة، ولا عن سياسات الحكومة العاجزة التى لا تبادر بالفعل، ولكنها تظل دائما وأبدا مجرد “رد فعل” فى الاتجاه العكسي  وتبحث عن تبريرات غير منطقيه.

 

يأتى هذا الارتفاع فى ظل تزايد الضغوط الناتجة عن الأحداث الجيوسياسية، وتغير السياسات النقدية فى الاقتصادات الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وقد ساهمت القرارات الأخيرة المتعلقة برفع التعريفات الجمركية الأمريكية على بعض الواردات -قبل تجميدها جزئيا- فى زيادة التوترات التجارية العالمية، ما انعكس سلبًا على حركة التجارة وتدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة، ومنها مصر.

 

وفى هذا السياق، تبرز الحاجة لتحليل أعمق لأسباب هذه العودة القوية للدولار، ومدى ارتباطها بالسياسات الدولية، وتأثيرها المحتمل على الاقتصاد المصرى بشتى قطاعاته، حيث شهدت الأسواق المصرية خلال الفترة الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا فى سعر صرف الدولار الأمريكى أمام الجنيه المصري، حيث تجاوز سعر الدولار حاجز الـ51 جنيهًا فى بعض البنوك، مسجلًا مستويات غير مسبوقة منذ تحرير سعر الصرف فى مارس 2024 هذا التحرك السريع فى سعر الدولار، الذى أطلق عليه البعض “ريمونتادا الدولار”، أثار قلقًا واسعًا بين المواطنين والمستثمرين، خاصةً فى ظل التحديات الاقتصادية التى تواجهها البلاد.

 

إلى ذلك يقول الدكتور وائل النحاس الخبير الاقتصادى  إن خروج الأموال الساخنة خلال الفترة الحالية دفع العملة الأجنبية للارتفاع نظرا لزيادة الطلب من قبل المستثمرين حوله، مرجحا أن يبقى عند مستواه عند هذا الحد، لأن ارتفاعه سيكبد المستثمرين خسائر فى حالة خروج العملة.

 

وأضاف النحاس أن تراجع سعر الدولار محليا مرهون بسداد الحكومة لديونها الخارجية، وهذا الأمر سيجعل فترة ارتفاعه قصيرة وبعدها يتراجع لمستويات 50 جنيها، خاصة فى ظل غياب الأسباب الواضحة لارتفاعه وتحركات العملة الأجنبية، لافتا إلى أن استمرار مرونة سعر الصرف يجعل من احتمالية ارتفاعه فوق 5% عن هذا معدله الحالى قليل الحدوث..

 

وأكمل قائلا: إن الاستثمارات فى أذونات الخزانة وخروجها بالدولار تقلل من قيمة الجنيه، مشيرا إلى أن استمرار الالتزام بمرونة سعر الصرف فى ظل زيادة الطلب عليه أدى لارتفاع قيمة الدولار، موضحا أن زيادة الطلب سببها أننا من ضمن دول الاقتصاد الناشئة،

 

من جانبه قال الدكتور سمير روؤف الخبير المصرفى إن سعر صرف الدولار الأمريكى، شهد زيادات ملحوظة أمام الجنيه بحركة التعاملات، ليقترب من مستوى الـ52 جنيهًا للمرة الأولى، جاء ذلك فى أعقاب إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، عن حزمة من الرسوم الجمركية التى وجهت لعدد كبير من دول العالم وأحدثت هزة عنيفة بالأسواق المالية.

 

وقال إن الارتفاع المفاجئ للدولار مقابل الجنيه المصري، عكس بجدارة آلية مرونة سعر الصرف، للعمل فى ظل أوضاع غير مواتية عالميًا وإقليميًا»، لافتًا إلى أن كل البورصات وأسواق النقد فى العالم تأثرت سلبًا،وأضاف روؤف كلنا لاحظنا أن معظم مؤشراتنا الاقتصادية فى الشهور الأخيرة كانت مستقرة وتتحسن باستمرار، الاحتياطى النقدى صمام الأمان الاستراتيجى ينمو إيجابيًا مسجلًا أرقامًا تاريخية، صافى أصول النقد الأجنبى يسجل فائضا مستمرا على مستوى الجهاز المصرفى، معدل التضخم العام والأساسى ينخفضان بشكل كبير يمهدان لأن تدرس لجنة السياسة النقدية إمكانية بدء التحول إلى التيسير النقدي.

 

وأشار الخبير المصرفى، إلى أنه برغم كل وسائل الدعم السابقة ولأن سعر الصرف لدينا عائم أى يتحدد سعره لحظيًا وفقًا لظروف العرض والطلب، ارتفع الدولار أمام الجنيه، وما حدث فى مصر هو أمر لا يقارن بما حدث فى العالم من اختلالات فى البورصات العالمية، وتغيرات فى أسعار أوقية الذهب وبرميل البترول، والأسهم، وأصبحت الأصول المشهورة بأنها ذات الملاذ الآمن، هى نفسها تبحث عن ملاذ آخر أكثر أمانًا.

 

واستطرد روؤف أنه بالطبع كان ذلك سببًا لخروج مبالغ من الأموال الساخنة لدينا، وتلك الأموال التى تأتى بسرعة جريًا وراء الربح، ولكنها تخرج بأسرع مما قدمت عند استشعارها بقدوم خطر ما، مما يؤدى إلى زيادة الضغط على الجنيه».

 

ويرى هانى أبو الفتوح، الخبير الاقتصادي، تراجع الجنيه المصرى فى السوق يمثل تطورًا سلبيًا يوضح مدى تأثر الأسواق الناشئة، ومصر من ضمنها، بالاضطرابات الاقتصادية العالمية. فعلى الرغم من عدم استهداف مصر بشكل مباشر بقرارات ترامب الجمركية، إلا أن حالة عدم اليقين والنفور من المخاطرة التى سادت الأسواق أدت إلى تداعيات كبيرة على عملات الأسواق الناشئة، بما فى ذلك الجنيه المصري.

 

وأضاف أبو الفتوح أن انخفاض الجنيه وخروج المستثمرين الأجانب من أدوات الدين المصرية أمر متوقع بالنسبة لما يُعرف بالأموال الساخنة، مشيرًا إلى أن هذا يشير إلى فقدان مؤقت للثقة فى الأصول المالية بالأسواق الناشئة كملاذ استثمارى آمن فى ظل الظروف العالمية المضطربة.

 

وأوضح أن استمرار صعود الدولار أمام الجنيه بالتزامن مع تراجعه عالميًا يشير إلى أن المشكلة تكمن فى الظروف الاقتصادية الداخلية أكثر من قوة الدولار ذاته، وقد يكون هناك تدخل غير مباشر من البنك المركزى المصرى لإدارة هذا الهبوط فى الجنيه، سواء عبر التحكم فى المعروض من الدولار أو السماح للسوق بحركة أكثر حرية ضمن سياسة مرونة سعر الصرف، ويرى الخبير الاقتصادى أنه قد يكون خفض قيمة الجنيه وسيلة لامتصاص الصدمة وتقليل جاذبية خروج الأموال الأجنبية، حيث إن تراجع العملة يقلل من العائد الحقيقى للتحويل إلى الخارج، بالإضافة إلى ذلك، يرى أن هناك أسبابًا أخرى تقود تحريك الدولار فى مصر، منها استمرار الضغط على العملة الأجنبية نتيجة ارتفاع فاتورة الاستيراد وتأخر تعافى قطاع السياحة بشكل كامل، فضلًا عن التحديات المتعلقة بتدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، كما أن توقعات السوق بشأن مستقبل سعر الصرف والتضخم قد تلعب دورًا فى زيادة الطلب على الدولار.

 

ويعتقد أبو الفتوح أن المطلوب من المجموعه الوزارية الاقتصادية خلال الفترة المقبلة لكبح جماح الدولار يتضمن عدة محاور، أولها، تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر وتعزيز الصادرات لزيادة تدفقات العملة الأجنبية المستدامة، ثانيًا، العمل على خفض فاتورة الاستيراد من خلال تشجيع الصناعات المحلية وتوفير بدائل مستوردة، ثالثًا، اتخاذ إجراءات لتهدئة التضخم والسيطرة على الأسعار، مما يعزز الثقة فى الجنيه، رابعًا، إدارة رشيدة لسعر الصرف من قبل البنك المركزى مع الحفاظ على احتياطى نقدى أجنبى قوي، خامسًا، العمل على تحسين مناخ الاستثمار وتقديم حوافز جاذبة للمستثمرين الأجانب لتعويض تأثيرات التقلبات العالمية.

 

ومن جانبه قال الدكتور على الإدريسى الخبير الاقتصادى إن هذا الارتفاع يرجع إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها زيادة الطلب على الدولار بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى، حيث تراكمت طلبات فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع، تزامنًا مع بدء موسم استيراد جديد بعد انتهاء مواسم رمضان وعيدالفطر  إضافة إلى سداد مديونيات خارجية، مما أدى إلى زيادة الطلب على الدولار بشكل يفوق المعروض، وبالتالى ارتفاع سعره أمام الجنيه.

 

وتابع قائلا: فى مواجهة هذه التحديات، اتخذت الحكومة عدة إجراءات للسيطرة على سوق الصرف وتوفير الدولار، منها إنشاء “هيئة الشراء الموحد” لتقليل الهدر المالى فى عمليات الاستيراد، وزيادة إيرادات قطاع السياحة بنسبة 25%، بالإضافة إلى برنامج الطروحات لتشجيع الاستثمار الأجنبى وزيادة الموارد الدولارية، مضيفا: كما تعمل الحكومة على تعزيز الاحتياطى النقدى الأجنبي، الذى تجاوز 46 مليار دولار بنهاية مايو 2024، مما ساهم فى توفير العملة الصعبة للمستوردين والقضاء على السوق السوداء، وزيادة تنازلات المواطنين الحائزين على العملة للبنوك الرسمية، مما يعنى مزيدًا من استقرار سعر الصرف.

 

وأشار الدكتور الإدريسى إلى أن الحكومة تسعى إلى جذب استثمارات أجنبية جديدة، خاصةً من دول الخليج، وتحفيز تحويلات المصريين بالخارج، التى تشهد زيادة مستمرة، مما يعزز من تدفقات النقد الأجنبى إلى البلاد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى