فُرضت بموجب قوانين مستمدة من الاستعمار وتوسعت في زمن الانفتاح.. القصة الكاملة للرسوم القضائية في مصر
كتب- حسين محمود

الرسوم القضائية واحدة من أكثر القضايا التي تثير الجدل في الأوساط القانونية المصرية، خاصة بين المحامين الذين يرون فيها عبئًا يُعيق العدالة ويُرهق المواطنين.
غضب المحامين ينبع من شعورهم بأنها تُعيق المواطنين وتُهدد دورهم كحماة للحقوق، بينما تبقى دستوريتها محل نزاع قانوني قد يُحسم قريبًا أمام المحكمة الدستورية.
ومرت الرسوم القضائية في مصر بتحولات كبيرة، من أداة رمزية لتيسير العدالة إلى مصدر إيرادات مثير للجدل.
ومع تطور المنظومة القضائية في مصر، شهدت هذه الرسوم تغيرات كبيرة على مدار عقود، لكنها ظلت محل نقاش حاد بين مؤيد يراها مصدرًا لتمويل القضاء، ومعارض يعتبرها انتهاكًا لحق التقاضي الدستوري.
وفي السطور التالية، نستعرض تاريخ الرسوم القضائية في مصر، وأسباب غضب المحامين منها، ومدى توافقها مع الدستور.
تاريخ الرسوم القضائية في مصر
تعود جذور الرسوم القضائية في مصر إلى أوائل القرن العشرين، حيث كانت تُفرض بموجب قوانين مستمدة من النظم الاستعمارية التي حكمت البلاد، لكن الإطار القانوني الحديث بدأ يتشكل مع صدور القانون رقم 32 لسنة 1912، الذي نظّم الرسوم أمام المحاكم المختلطة.
وبعد ذلك، جاء القانون رقم 90 لسنة 1944 ليُحدد الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، وهو القانون الذي لا يزال أساسًا للتشريعات الحالية مع تعديلات لاحقة.
في الخمسينيات والستينيات، ومع تبني مصر لتوجهات اشتراكية، كانت الرسوم القضائية رمزية إلى حد كبير، بهدف ضمان وصول الجميع للعدالة، لكن مع الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات، بدأت الحكومة تعتمد على الرسوم كمصدر إيرادات لدعم القضاء.
و شهدت التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة تعديلات متكررة، مثل القانون رقم 7 لسنة 1995، والقانون رقم 126 لسنة 2009، اللذين رفعا قيم الرسوم بشكل ملحوظ، مما أثار استياءً متزايدًا.
آخر فصول قصة الرسوم القضائية جرى قبل ايام قليلة، حين قررت محكمة استئناف القاهرة زيادة رسوم الخدمات المميكنة، لتُشعل فتيل أزمة جديدة مع نقابة المحامين، التي ترى في هذه الزيادة تجاوزًا للقانون والدستور.
سر غضب المحامين من الرسوم القضائية
غضب المحامين من الرسوم القضائية ليس وليد اللحظة، بل يمتد لسنوات طويلة تراكمت خلالها الأسباب:
أولًا: يرى المحامون أن الزيادات المتكررة في الرسوم تُثقل كاهل المواطنين، خاصة محدودي الدخل، مما يحد من حقهم في التقاضي، وعلى سبيل المثال، قد تصل الرسوم في بعض القضايا إلى آلاف الجنيهات، وهو مبلغ يفوق قدرة الكثيرين.
ثانيًا: يشتكي المحامون من “الرسوم اللاحقة” التي تُفرض بعد الحكم، حتى في حالة رفض الدعوى، هذا النظام، الذي ينظمه القانون رقم 90 لسنة 1944، يُلزم المدعي بدفع رسوم إضافية بعد خسارته القضية، وهو ما يعتبرونه عقوبة مضاعفة تُضعف ثقة المواطن في العدالة.
ثالثًا: يتهم المحامون الحكومة باستخدام الرسوم كأداة لزيادة الإيرادات بدلًا من تحسين الخدمات القضائية.. وهو ما أكده نقيب المحامين، عبد الحليم علام، في تصريحات له أكد فيها أن الزيادة الأخيرة غير مبررة وتخالف الدستور، وتضر المواطن قبل المحامي”.
رابعًا: هناك شعور بالتهميش، حيث تُفرض هذه الزيادات دون استشارة نقابة المحامين، التي تمثل صوت المهنة.
وفى محاولة لمواجهة الزيادة المحتملة دعت النقابة العامة للمحامين الى اجتماع النقابة يوم السبت 15 مارس 2025، وهو ما يعكس تصاعد التوتر، حيث دعت النقابة أعضاءها لمناقشة خطوات تصعيدية محتملة.
هل الرسوم القضائية دستورية
السؤال المهم.. هل الرسوم القضائية دستورية؟.. جدل دستورية الرسوم القضائية ليس جديدًا، فقد شهدت المحكمة الدستورية العليا العديد من الطعون على مر السنين، المادة 68 من الدستور المصري لسنة 2014 تنص على أن “حق التقاضي مكفول للجميع”، وأن “لا يجوز إرهاق المتقاضين بعوائق تحول دون ممارسة هذا الحق”.
المحكمة الدستورية أكدت في أحكام سابقة، مثل حكمها في القضية رقم 27 لسنة 16 قضائية بتاريخ 15 أبريل 1995، أن فرض رسوم باهظة أو عقوبات مالية لاحقة قد يُعد انتهاكًا لهذا الحق.
مؤيدو الرسوم القضائية
في المقابل، يرى مؤيدو الرسوم أنها ضرورية لتمويل المنظومة القضائية، خاصة مع تزايد القضايا وارتفاع تكاليف تشغيل المحاكم، لكن المحكمة الدستورية وضعت شروطًا واضحة، منها أن تكون الرسوم “معقولة” و”متناسبة” مع الخدمة المقدمة، وألا تُشكل عائقًا يمنع الناس من اللجوء للقضاء.
عدم دستورية الرسوم القضائية
في حالة الزيادة الأخيرة، يرى خبراء قانونيون أنها قد تكون عرضة للطعن أمام المحكمة الدستورية، خاصة أنها جاءت دون تبرير واضح أو توافق مع النقابات.
وفي حكم سابق للمحكمة الدستورية عام 2000 أبطل الفقرة الأخيرة من المادة 3 من القانون 90 لسنة 1944، معتبرًا أن تحصيل الرسوم جبرًا قبل الفصل الاستئنافي ينتهك الدستور. وهذا يعزز موقف المحامين في الطعن الحالي.
الخلاصة
ومع تصاعد الأزمة، تبقى الأنظار معلقة على تحركات نقابة المحامين واستجابة الحكومة، في ظل سؤال ملح: “ هل ستظل العدالة في متناول الجميع، أم ستصبح رفاهية لمن يملك المال؟”