
وسط دهاليز التاريخ وأوراق السير العتيقة، هناك أسماء لم تُكتب على رايات الفتح، لكنها سكنت القلوب وحفرت أثرها في النفوس، واحدة من تلك الأسماء فاختة بنت قرظة، زوجة معاوية بن أبي سفيان، المرأة التي لم تكن مجرد زوجة لأحد أقوى رجال عصرها، بل كانت شريكة عمره وصاحبة حضور لم تستطع السلطة ولا المعارك أن تنسيه إياه.
من هي فاختة بنت قرظة؟
تنحدر فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل من بيت عريق في قريش، وكانت معروفة بجمالها ورجاحة عقلها.
اختارها معاوية زوجةً له، في مرحلة كانت الدولة الإسلامية تشهد تحولات كبيرة، حيث كان يسعى لتثبيت أركان حكمه بعد أحداث الفتنة الكبرى. وعلى الرغم من أن الزواج في أوساط القادة عادةً ما يكون تحالفًا سياسيًا، فإن قصة فاختة ومعاوية حملت بين طياتها مشاعر خاصة.
تفاصيل العلاقة بين معاوية وفاختة
لم تكن فاختة مجرد زوجة في قصر الخليفة، بل كانت امرأة ذات رأي وحكمة، يثق بها معاوية ويأنس بحديثها. يُروى أنه كان يحترم عقلها ورجاحة رأيها، وكان يرى فيها السكينة التي يحتاجها وسط ضوضاء الحكم وصراعاته.
وفي أكثر من موقف، أظهر معاوية تعلقه بفاختة، حتى قيل إنه كان شديد الغيرة عليها، ولم يتزوج عليها طوال حياتها، رغم أنه كان يستطيع ذلك بحكم منصبه ونفوذه. كان هذا استثناءً في زمنٍ اعتاد فيه القادة على تعدد الزوجات، لكنه دليل على مكانة فاختة في قلب معاوية.
كيف توفيت فاختة ؟
لم يذكر التاريخ بدقة العام الذي توفيت فيه فاختة بنت قرظة، لكن وفاتها تركت أثرًا بالغًا في نفس معاوية ويُقال إنه حزن عليها حزنًا شديدًا، وبدا عليه التأثر، رغم صلابته المعهودة في السياسة والحكم. ربما كانت فاختة الإنسانة الوحيدة التي استطاعت أن ترى معاوية الرجل بعيدًا عن صورة الحاكم القوي.
وبعد وفاتها، ظل معاوية يذكرها في مجالسه، وربما لم يكن يتحدث عنها كثيرًا علنًا، لكن من عرفوه عن قرب أيقنوا أن هذه المرأة لم تكن مجرد ذكرى عابرة في حياته، بل كانت جزءًا من روحه وفي قصر دمشق، حيث كانت القرارات العظيمة تُتخذ، بقي هناك مكان خالٍ، لا يملؤه إلا الحنين إلى فاختة بنت قرظة السيدة التي لم تحمل السيف ولم تقُد الجيوش، لكنها ملكت قلب رجل صعب أن يملكه أحد.