عاجلمقالات

سامح عبد الغني يكتب: رمضان في مصر حاجة تانية

رمضان في مصر له طعم ومذاق خاص، تملؤه الفرحة والبهجة وتكسوه الأعلام والزينات، وعلى الرغم من ظروف الغلاء التي تعانيها البلاد الآن، فمازال المصريون حتى الآن يمارسون العادات والتقاليد المتوارثة وخاصة عادات رؤية هلال شهر رمضان استعدادًا لإعلان الصيام ومآدب الملوك والرؤساء وعادات المسحراتى ومآدب الإفطار والسحور والسهرات الرمضانية وبرامج الاذاعة والتليفزيون، إلا أن مظاهر هذه الاحتفالات اختلفت فى شكلها ومظاهرها خلال المائة عام السابقة منذ 1925 وحتى هذا العام 2025.

 

وفى عهد الأسرة العلوية كما نشر في كتاب ” الحياة الاجتماعية في مصر في القرن 19 ” عن شهر رمضان يقول: إن الأهالي كانوا يخرجون إلى الخلاء لاستطلاع الهلال، بينما يسير موكب المحتسب والأعيان والفرق الموسيقية تعزف على الطبول تنتظر عودة أحد المرسلين لاستطلاع الهلال، وعندما يثبت تودع وثيقة في المحكمة الشرعية ببدء الصيام وتضاء المساجد بالقناديل.

 

مواكب الرؤية إلى المحكمة الشرعية

ومع بداية القرن العشرين في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني انتقل إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق، حيث كانت مواكب الرؤية تخرج إلى المحكمة الشرعية؛ موكب لأرباب الحرف على عربات مزدانة بالزهور والأوراق الملونة، وموكب الطرق الصوفية بالشارات والرايات والبيارق، حيث كانت تمر المواكب بقصر “البكري” بالخرنفش، حيث نقيب السادة الأشراف وأمراء الدولة والأعيان يستقبلون وفود المهنئين.

 

استطلاع الهلال فى البداية استطلاع الهلال فى البداية

 

وفى عهد الملك فؤاد فى سنة 1930 أنشئت مطاعم الشعب فى رمضان بقرار ملكى ونظرا للأزمة الاقتصادية العالمية بعد الحرب الأولى، وتقوم فكرتها على إقامة مطاعم سميت مطاعم الشعب تقدم وجبات رخيصة الثمن قيمتها قرش صاغ واحد وذلك فى الأحياء الفقيرة بالسيدة زينب ومساكن زينهم تقدم وجبة من الخضار واللحم والارز، وكانت المحافظة تدعو الأغنياء للتبرع لتمويل هذه الوجبات وأن يعطوا لمن لا يملكون القرش كوبونات لصرف هذه الوجبات فى رمضان،، وأصدر الملك فؤاد قرارا بمنع اقامة حفلات الجلوس على العرش او عيد ميلاده للصرف على هذه المطاعم بإقامة مطعم كبير بحى بولاق لتقديم هذه الوجبات، واستمر الملك فاروق بعد توليه الحكم عام 1937  على نفس النهج بالنسبة لهذه المطاعم.

 

موائد رمضان فى عهد الملك السابق فاروق موائد رمضان فى عهد الملك السابق فاروق

 

كان الملك فاروق فى الاربعينات والخمسينات حريصا فى رمضان على استضافة علماء الازهر وكبار الجيش والشرطة فى مأدبة ملكية خاصة بقصر رأس التين، الى جانب مأدبة أخرى بساحة عابدين  لرموز من فئات الشعب أخذت شكل موائد الرحمن تمتلئ فيها بطون الغلابة بأشهى الأطعمة.

 

الاحتفال بالمحكمة الشرعية

وفى عهد الثورة أقيم الاحتفال بقدوم بالمحكمة الشرعية بمنطقة الحلمية الجديدة برئاسة فضيلة الشيخ حسن مأمون مفتي الديار وحضرها اللواء محمد نجيب وشيخ الأزهر محمد الخضر حسين، فبعد أشهر قليلة من قيام ثورة يوليو 1952 وليلة أول رمضان بعد الثورة أقامت حكومة الثورة أول أحتفال لثبوت رؤية هلال رمضان  في ظل عهد الثورة  وإلغاء الملكية.

 

موائد رمضان فى بداية الثورة موائد رمضان فى بداية الثورة

 

بعد إعلان ظهور هلال رمضان في مساء اليوم التالي الأول من رمضان أقيمت المأدبة الكبرى للإفطار في القصر الجمهوري ووجهت الدعوة لجميع ممثلي 350 نقابة عمالية مصرية تمثل طوائف عمال مصر لتناول الإفطار مع اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية وقالت الأهرام: من المعروف أن هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها حاكم مصرى استطلاع الرؤية لهلال رمضان حيث جرت العادة على أن يقتصر هذا الاحتفال على حضور محافظ العاصمة ورئيس المحكمة العليا الشرعية ومفتي الديار.

 

رمضان كريم أشهر العبارات

ومع هذه الأجواء المبهجة، يتبادل المصريون التهاني بحلول شهر رمضان المبارك بكلمات تحمل التفاؤل، أشهرها “رمضان كريم”.. تلك الكلمة التي تسمعها أينما حللت في الشوارع والمقاهي وأماكن العمل، والتى انتقلت عبر التليفون فى الأربعينات حتى أصبحت الآن فى القرن الواحد والعشرين عبر وسائل التواصل الاجتماعى رسائل الماسنجر والفيس بوك.

 

المسحراتى من علامات رمضان الذى حل محله التليفزيون المسحراتى من علامات رمضان الذى حل محله التليفزيون

 

كما احتفظ المصريون على مدار قرون بمهنة المسحراتي، التي ارتبطت فقط بشهر رمضان المبارك، حيث يجوب المسحراتي الشوارع حاملا “طبلة” لتنبيه الناس بموعد السحور باستخدام صوته العالي وكلمته الشهيرة “اصحى يا نايم.. وحد الدايم”، والذي ظل حاضرا حتى الآن في مصر منذ القرن الثالث الهجري، إلا أنه أصبح مقصورا على الأحياء الشعبية وانعدم وجوده فى الأحياء الراقية اعتمادا على التليفونات ووسائل التكنولوجيا الحديثة للتنبيه بموعد السحور.

 

احياء صلاة التراويح

ومن العادات التى مازالت قائمة فى رمضان منذ القرن الماضى ما بين الإفطار والسحور، يحرص المصريون على اصطحاب أسرهم لصلاة التراويح، والتي تكتسب في مصر مذاقا مختلفا.. فكل مسجد يتبارى في تقديم أروع أصوات القراء، من أجل إحياء صلاة التراويح طيلة الشهر الفضيل، بالإضافة إلى ما يشبه المنافسة بين المساجد في ختم القرآن الكريم على مدار ليالي الشهر الكريم.

 

الكهرباء تعلن خطة تأمين استهلاك الطاقة خلال شهر رمضان

الطرشي زينة موائد رمضان.. زيادة الإقبال على المخللات في الشهر الكريم.. إقبال كثيف على البلدي والزيتون.. وهذه أبرز الأسعار والأنواع (فيديو وصور)

 

ومنذ عهد الدولة الطولونية فى القرن الثالث الهجرى انتشرت فى رمضان موائد الرحمن فى شوارع المدن لإفطار الصائمين وعابرى السبيل والتى اقتصرت بعد ذلك فى نهايات القرن العشرين وحتى الان على توزيع شنط رمضان على الفقراء، لكن انتشر الشباب ايضا فى الشوارع أثناء الأذان لتوزيع وجبات إفطار جاهزة وزجاجات المياه على عابرى السبيل والمسافرين.

 

الكنافة والقطائف أهم مكونات المائدة الرمضانية

ومازالت الموائد الرمضانية عامرة بكل مالذ وطاب منذ القرن الماضى، ومن أهم ما يميز المائدة الرمضانية الكنافة والقطائف التى لا يخلو منها بيت فى رمضان إلا انها بدأت يدوية منذ أكثر من مائة عام وأصبحت فى السنوات الأخيرة تدخلت التكنولوجيا فى صناعتها وأصبحت آلية، إلا أن صحن الفول والخشاف مازال أهم ما يميز المائدة الرمضانية  ،

 

مدفع رمضان بالقلعة مدفع رمضان بالقلعة

 

وتطورت وظيفة مدفع رمضان فكان أداة للإعلان عن رؤية هلال رمضان، فبعد ثبوت الرؤية تنطلق المدافع من القلعة ابتهاجًا بشهر الصوم، وهكذا استمر صوت المدفع عنصرا أساسيًا في حياة المصريين الرمضانية من خلال المدفع الذي يعود إلى عصر محمد علي إلى أن ظهر الراديو، فتوقف إطلاقه من القلعة، وفي أحيان كثيرة، وإن ظل التسجيل الصوتي له يذاع يوميًا عبر الراديو والتليفزيون إلى أن قرر المسئولون أن تتم عملية إطلاق المدفع على الهواء فى أذان المغرب من القلعة حين قرر وزير الداخلية أحمد رشدى عام 1983 اطلاق المدفع فى اذان المغرب من القلعة طوال رمضان وكذلك فى السحور.

 

مدفع المقطم مشهد سياحى

لكن تخوفت هيئة الآثار فى التسعينات من إطلاق المدفع على المنطقة، وقررت وزارة الداخلية وقف اطلاق المدفع من القلعة وتم نقل المدافع الثلاثة الباقية من عهد محمد على إلى جبل المقطم مع الإبقاء على واحد منهم فى القلعة كمشهد سياحى فقط، إما الاذاعة عام 1954 فكانت برامجها هى الاساس وتضمنت برامجها فوازير امال فهمى والف ليلة وليلة والاذان بصوت الشيخ محمد رفعت وقرآن الفجر بصوت مصطفى اسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد.

 

السادات فى بيت الراحة

فى عهد السادات عام 1970 كانت رؤية هلال رمضان تؤخذ من أعلى برج القاهرة، وكان الرئيس يعتكف عشرة أيام ببيت الراحة فى سانت كاترين وباقى الأيام يقضيها بقريته ميت أبو الكوم وسط أقاربه وأبناء بلدته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى