عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: رد الاعتبار القضائي بين التوبة وإساءة الاستخدام

يعد رد الاعتبار القضائي واحدًا من المفاهيم القانونية التي أثارت الكثير من الجدل بين التشريعيين والحقوقيين، لما له من تأثير مباشر على الأفراد المدانين واستقرار المجتمع القانوني. فبينما يرى البعض أن القانون يجب أن يمنح المدانين فرصًا متعددة لبدء حياة جديدة، جاء قانون الإجراءات الجنائية واضحًا وقاطعًا بنصه على أن رد الاعتبار القضائي لا يجوز منحه إلا مرة واحدة، رافضًا أي تعديل يلغي هذا القيد، ومؤكدًا على أن الهدف الأساسي منه هو ضمان عدم العودة إلى الجريمة، وحماية المجتمع من أي محاولات للتحايل على العدالة.

 

المادة 469.. لماذا يرفض التشريع تعديلها؟

تنص المادة (469) من قانون الإجراءات الجنائية على أن طلب رد الاعتبار القضائي لا يجوز تقديمه إلا مرة واحدة، وهو ما يعني أن الشخص المدان إذا استنفد فرصته الوحيدة، فلن يكون بإمكانه محو آثار إدانته مجددًا، مهما كانت الظروف. وقد بررت الجهات التشريعية الإبقاء على هذه المادة بعدة أسباب، أبرزها:

 

  1. 1. الحفاظ على الردع العام والخاص: يهدف القانون إلى جعل الجريمة حدثًا لا يمر دون أثر، حتى بعد انقضاء العقوبة. فالسماح برد الاعتبار أكثر من مرة قد يؤدي إلى استهانة البعض بالعقوبات، ويفتح الباب أمام تكرار الجرائم دون خوف من العواقب طويلة الأمد.
  2. 2. منع التحايل على القانون: فتح الباب لطلبات متكررة لرد الاعتبار قد يستغله بعض المحكوم عليهم في التحايل على العدالة، خاصة في الجرائم المالية والفساد، حيث يمكن للمدانين استغلال رد الاعتبار المتكرر لمحو سجلهم الجنائي والعودة لمراكزهم السابقة بسهولة.
  3. 3. التأكيد على المسؤولية الفردية: القانون في صيغته الحالية يجبر المدان على التعامل مع رد الاعتبار كفرصة وحيدة، مما يجعله أكثر حرصًا على عدم العودة إلى السلوك الإجرامي، إذ يدرك أن أي انتكاسة ستظل تلاحقه قانونيًا طوال حياته.

 

بين العدالة والتوبة.. هل هناك مساحة للمراجعة؟

رغم صرامة القانون، فإن بعض القانونيين والحقوقيين يرون أن هناك حالات استثنائية تستدعي إعادة النظر في هذا القيد. فهناك أشخاص يقضون عقوباتهم، ويغيرون مسار حياتهم بالكامل، ويثبتون حسن نيتهم لسنوات طويلة، لكنهم يظلون مكبلين بأعباء سجلهم الجنائي، ما يحرمهم من الاندماج في المجتمع بشكل كامل.

 

وفي هذا السياق، يطالب البعض بإدخال تعديلات محدودة، مثل:

إتاحة فرصة ثانية في حالات خاصة، كأن يكون قد مر عدد معين من السنوات دون ارتكاب أي جرائم، أو أن يكون الشخص قد قدم إسهامات إيجابية في المجتمع بعد انتهاء عقوبته.

توسيع نطاق التقدير القضائي، بحيث يكون للقاضي سلطة تقديرية في منح أكثر من رد اعتبار في حالات محددة، بدلًا من القيد المطلق لمرة واحدة.

التفريق بين الجرائم، بحيث لا يتم التعامل بنفس الصرامة مع جميع الجرائم، فهناك فرق بين جرائم العنف أو الفساد، والجرائم الأقل خطورة التي يمكن أن يكون فيها المدان أكثر قابلية للإصلاح.

 

موقف الحكومة.. بين التشدد والمصلحة العامة

الحكومة من جانبها رفضت أي مقترح لتعديل المادة (469)، مؤكدة أن الهدف الأساسي من هذا التقييد هو ضمان عدم عودة الأشخاص إلى ارتكاب الجرائم مرة أخرى، كما شددت على أن القانون يحقق توازنًا دقيقًا بين حق المدان في بدء حياة جديدة، وحق المجتمع في الحماية من تكرار الجرائم.

 

وترى الجهات الرسمية أن أي تعديل قد يؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة في ظل وجود قضايا حساسة تتعلق بالفساد المالي والجرائم المنظمة، حيث يمكن أن يؤدي تعدد مرات رد الاعتبار إلى تمكين بعض المدانين من العودة لمواقع النفوذ مجددًا، مما يقوض جهود مكافحة الجريمة.

 

خاتمة.. هل التعديل ضرورة أم مخاطرة؟

يبقى الجدل مستمرًا حول مدى صواب هذا القيد القانوني، ففي حين يرى البعض أنه ضروري لحماية المجتمع ومنع التحايل، يطالب آخرون بفتح المجال لمزيد من المرونة، خاصة في حالات الإصلاح الحقيقي. وبين الحسم القانوني والدعوات الإنسانية، يظل السؤال مفتوحًا: هل نحن بحاجة إلى قوانين أكثر صرامة لضمان الأمن والاستقرار، أم أن منح فرص إضافية قد يكون الحل الأمثل لتحقيق العدالة والإصلاح؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى