العالمعاجل

الوجه الآخر لقطاع غزة المنكوب.. ثروات بمليارات الدولارات تحت الركام.. وغاز المتوسط يكشف سبب الصراع على حطام الحرب

كتب- محمد فهمي

عندما يذكر قطاع غزة، فإن الصورة التي تتبادر إلى الأذهان غالبًا ما تكون الدمار، الفقر، والمعاناة الإنسانية. ولكن خلف هذا الواقع المؤلم، يختبئ وجه آخر للقطاع المنكوب، يتمثل في ثروات طبيعية هائلة يمكن أن تجعل منه نقطة اقتصادية محورية في المنطقة، لولا الصراعات السياسية والتدخلات الدولية التي تحول دون استغلالها، وهو ما يفسر رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسيطرة على القطاع.

 

يمتلك قطاع غزة مخزونًا ضخمًا من الغاز الطبيعي والنفط، تقدر قيمته بمليارات الدولارات، إلا أن هذه الموارد تبقى رهينة الاحتلال الإسرائيلي والتجاذبات الإقليمية والدولية، ومع استمرار التوترات في المنطقة، يطرح السؤال نفسه: هل يتم استهداف غزة فقط لأسباب أمنية وسياسية، أم أن ثرواتها الطبيعية تلعب دورًا خفيًّا في الصراع القائم؟

 

ثروات غزة.. أرقام تكشف الحقيقة

بحسب تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، فإن الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك قطاع غزة، تمتلك احتياطيات نفطية تقدر بـ1.5 مليار برميل، واحتياطيًا من الغاز الطبيعي يصل إلى 1.4 تريليون قدم مكعب. هذه الأرقام تجعل فلسطين واحدة من المناطق الواعدة في مجال الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

 

لكن رغم هذه الثروات، يعاني القطاع من أزمة اقتصادية خانقة، ويعتمد بشكل شبه كلي على المساعدات الخارجية. ويرجع ذلك إلى القيود الإسرائيلية التي تمنع الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية، مما يؤدي إلى حرمانهم من الاستفادة من عائدات هذه الثروات وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.

 

حقل “غزة مارين”.. كنز محاصر في عمق البحر

يعد حقل “غزة مارين”، الواقع على بُعد 30 كيلومترًا من ساحل القطاع، واحدًا من أهم الحقول الغازية في المنطقة. تم اكتشافه عام 1999، ويحتوي على أكثر من تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، ما يكفي لتلبية احتياجات الفلسطينيين لعقود طويلة. ورغم ذلك، لم يتم تطويره حتى اليوم بسبب العراقيل السياسية والتدخلات الإسرائيلية.

 

في البداية، أوكلت مهمة تطوير الحقل إلى شركة “بريتش غاز”، لكنها اضطرت إلى وقف أعمالها نتيجة الضغوط الإسرائيلية. وعلى مدار العقدين الماضيين، ظلت تل أبيب تعرقل أي محاولات فلسطينية للاستفادة من الغاز، ما يجعل القطاع يعتمد على استيراد الطاقة من إسرائيل بأسعار مرتفعة.

 

 

وبينما يبقى “غزة مارين” غير مستغل، تواصل إسرائيل استخراج الغاز من حقول أخرى في شرق المتوسط، وتصدره إلى أوروبا والأسواق العالمية. وهذا يثير تساؤلات حول ما إذا كان منع الفلسطينيين من تطوير الحقل هو مجرد قرار أمني، أم أنه جزء من استراتيجية اقتصادية تهدف إلى إبقاء السيطرة الإسرائيلية على موارد الطاقة في المنطقة.

 

الموقع الاستراتيجي لقطاع غزة وثرواته البحرية

وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن منطقة شرق البحر المتوسط تحتوي على احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي تقدر بـ122 تريليون قدم مكعب، تبلغ قيمتها نحو 453 مليار دولار، ويمثل قطاع غزة نقطة محورية ضمن هذا الحوض الغني بالغاز، حيث تشير دراسات جيولوجية إلى وجود حقول إضافية بالقرب من ساحله، قد تكون مكافئة في حجمها لحقل “غزة مارين”.

 

لكن الاحتلال الإسرائيلي يمنع أي عمليات استكشاف جديدة، في وقت تسارع فيه تل أبيب إلى التنقيب عن الغاز في مناطق أخرى، بعضها يقع ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية، ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

 

الحقوق القانونية للفلسطينيين في استغلال مواردهم

وفقًا للقوانين والاتفاقيات الدولية، يحق للفلسطينيين استغلال مواردهم الطبيعية والباطنية، وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الحق عبر عدة قرارات تحت عنوان “السيادة على الموارد الطبيعية”. كما ينص القانون الدولي على حق الشعب الفلسطيني في المطالبة بتعويضات عن أي استنزاف أو استغلال غير قانوني لثرواته.

 

ورغم ذلك، فإن إسرائيل تواصل حرمان الفلسطينيين من هذه الحقوق، عبر فرض حصار اقتصادي خانق ومنع أي مشاريع تنموية قد تؤدي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.

 

هل الغاز سبب رئيسي للصراع في غزة؟

في ظل السباق العالمي على مصادر الطاقة، يبدو أن ثروات غزة تلعب دورًا خفيًا في الصراع الدائر، حيث تتزايد التكهنات بأن أحد أهداف الضربات الإسرائيلية المتكررة على القطاع هو إبقاء الفلسطينيين بعيدين عن ثرواتهم الطبيعية.

 

وقد تزامن تصعيد العنف في غزة مع ازدياد حاجة أوروبا للغاز الطبيعي بعد الأزمة الأوكرانية، ما جعل إسرائيل تسرّع من وتيرة تصدير الغاز إلى القارة العجوز. وهذا يطرح تساؤلات حول مدى ارتباط الدعم الغربي لإسرائيل بمصالح اقتصادية خفية، تتعلق بالتحكم في موارد الطاقة في المنطقة.

 

المستقبل المجهول.. هل يمكن للفلسطينيين استعادة حقوقهم؟

رغم العوائق التي تحول دون استغلال الفلسطينيين لثرواتهم، لا تزال هناك جهود دبلوماسية وقانونية تسعى لإعادة حقوقهم المسلوبة. وقد اتجهت السلطة الفلسطينية لعقد اتفاقيات مع شركات مصرية لتطوير حقل “غزة مارين”، رغم العراقيل السياسية التي قد تعرقل تنفيذ هذه المشاريع.

 

لكن يبقى السؤال الأكبر: هل سيظل الفلسطينيون محرومين من ثرواتهم الطبيعية إلى الأبد؟ أم أن هناك فرصة مستقبلية لاستغلالها، إما عبر اتفاقيات دولية تفرض على إسرائيل احترام القانون الدولي، أو عبر تحولات سياسية قد تمنح الفلسطينيين سيطرة أكبر على مواردهم؟

 

غزة بين الفقر المصطنع والثراء المحتمل

بينما يعاني سكان غزة من أوضاع معيشية صعبة، يختفي تحت سطح البحر ثروة ضخمة يمكن أن تغير مستقبلهم بالكامل. لكن هذه الثروة لا تزال محاصرة بين الاحتلال الإسرائيلي والتدخلات الدولية، مما يحرم الفلسطينيين من فرصة بناء اقتصاد مستدام ومستقل.

 

ويبقى الوجه الآخر لقطاع غزة—الغني بالموارد الطبيعية—شاهدًا على التناقض الصارخ بين واقع السكان الصعب والإمكانات الاقتصادية الهائلة التي يمتلكها القطاع. وبينما تتجه أنظار العالم إلى المعاناة الإنسانية، يظل السؤال الأهم: متى سيتمكن الفلسطينيون من الاستفادة من ثرواتهم الطبيعية، وما الثمن الذي سيتوجب عليهم دفعه لتحقيق ذلك؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى