في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه البحرية الأمريكية في تدريب طياريها على طائرات F-35 المتطورة، يبدو أن المحاكاة باتت هي الحل الأمثل لإعداد الطيارين لمواجهة السيناريوهات المعقدة في بيئة قتالية «حقيقية».
فبينما تعجز الطائرات الحديثة عن الانخراط في تدريبات تكتيكية متقدمة بسبب قيود التقنية والتكلفة، أصبحت المحاكاة أداة لا غنى عنها، حيث تتيح هذه الآلية للطيارين التدريب على سيناريوهات يصعب تنفيذها في الواقع، ما يعزز من جاهزية قدرات البحرية الأمريكية في تحديث أساليب القتال الجوي بشكل عام، وفقًا لموقع «defenseone» الأمريكي.
التدريب التكتيكي الافتراضي
رغم أن طائرات F-35 تعد الأحدث في أسطول البحرية الأمريكية، فإنها ما زالت تواجه صعوبة في الانخراط في “التدريب التكتيكي الافتراضي” المتقدم، حيث يصعب إدراج طائرات خيالية أو بعيدة ضمن أنظمة التدريب، ويشكل هذا تحديًا كبيرًا، لأن تلك السيناريوهات تحاكي معارك «معقدة ومكلفة» ميدانيًا، ما يؤثر على جاهزية الطيارين بشكل ملحوظ.
صرّح نائب قائد مركز تطوير الحرب الجوية البحرية، الكابتن أندرو مارينر، أن طائرات F/A-18 وEA-18 وE-2D تتفاعل بسلاسة في بيئة التدريب الافتراضي، لكن طائرات F-35، ورغم تقدمها التكنولوجي، لا ترى ما يراه باقي الجناح الجوي، ما يضع البحرية الأمريكية أمام فجوة تدريبية كبيرة.
أنظمة «الحقن المباشر»
ومن جهة، تُعد قاعدة فالون الجوية البحرية في نيفادا مركزًا رئيسيًا لتدريب طياري البحرية الأمريكية، لكن طائرات F-35 تفقد فعاليتها في التدريب عند استخدام تقنية الحقن المباشر، وعدم قدرتها على محاكاة نفس السيناريوهات مع باقي الطائرات يُعيق تكاملها في البيئة التدريبية، ما يجعل الاعتماد على المحاكاة الافتراضية بديلاً حتميًا لضمان تعزيز الجاهزية والتنسيق بين الطائرات.
وبينما تعتمد البحرية الأمريكية على التدريب الافتراضي لمواكبة تعقيدات ساحة المعركة، لا تزال طائرات F-35 تعاني من محدودية التفاعل مع أنظمة “الحقن المباشر”، وهذا يدفع البحرية نحو الاستثمار في المحاكاة الرقمية لتعويض قدرات الطيارين وتقديم بيئات تدريب افتراضية تحاكي الواقع «بدقة وكفاءة».
وتعتمد البحرية الأمريكية، إلى جانب البنتاجون، بشكل متزايد على التدريب الافتراضي المباشر LVC، وهو نظام متقدم يُستخدم في تدريب الطيارين والجنود في بيئات محاكاة حية، حيث يتم دمج العناصر الحية مع الافتراضية والإنشائية في بيئة تدريب واحدة، ويتيح هذا النظام للطيارين التفاعل مع تهديدات جوية وطيف كهرومغناطيسي معقدة، ما يعزز التجربة التدريبية دون الحاجة إلى تنفيذ سيناريوهات مكلفة أو صعبة في الواقع.
تمثيل «الأعداء الافتراضيين»
في قاعدة أوشيانا الجوية البحرية بولاية فرجينيا الأمريكية، تعتمد 80% من مهام “الطائرات الحمراء” على الطلعات البنائية الافتراضية، التي تُحاكي طائرات العدو المستهدفة أثناء التدريبات، ومع دخول طائرات الجيل الخامس مثل F-35 إلى أسطول البحرية الأمريكية، تُواجه ميادين التدريب تحديات متعلقة بحجم البيئة الافتراضية، الأمر الذي يجعل من الصعب محاكاة قدرة الطائرات الحديثة في بيئات التدريب الحية.
ووفقًا للموقع الأمريكي ذاته، أشار بريان بازيل من إحدى الدفاع الأمريكية المتخصصة في بناء السفن وتصميم الأنظمة البحرية المتقدمة، إلى أن السرعة الكبيرة والقدرات التكنولوجية لطائرات F-35 تجعل التدريب الواقعي مهمة صعبة، وأن النطاقات العسكرية الحالية لم تُصمم لاستيعاب هذه الطائرات المتقدمة أو محاكاة سيناريوهات معقدة.
وللتغلب على هذه التحديات، تستخدم البحرية الأمريكية طائرات F/A-18 كبديل لتمثيل “الأعداء الافتراضيين” في بيئات الحقن المباشر، ومع ذلك، يشير الكابتن مارينر بالشركة الأمريكية، إلى أن الحل الأكثر فعالية سيكون في دمج جميع الطائرات ضمن بيئة موحدة، ما يتيح لطياري F-35 رؤية نفس المشهد التكتيكي الذي يراه الطيارون الآخرون ليعزز التنسيق والتكامل بين الأسطول البحري الأمريكي.
شفرة مصدر مشابهة
تخطط البحرية الأمريكية لتركيب 8 أجهزة محاكاة F-35 في يناير عام 2025، ضمن منشأة فالون للتدريب المتكامل، وهذه الأجهزة المتطورة تُعتبر جزءًا من أنظمة التدريب التكتيكي للجيل القادم، ومن المتوقع أن تصل إلى القدرة التشغيلية الأولية في مارس، لتوفر حلولًا مؤقتة لسد فجوة تدريب طياري F-35.
ولفت مدير محاكاة ساحة المعركة المتكاملة بالبحرية الأمريكية، ديريك جرير، إلى أن المحاكاة الجديدة ستستخدم شفرة مصدر مشابهة لتلك في طائرة F-35، ما يوفر نتائج مماثلة للتدريب الواقعي، وقال «إن هذا الحل يُعتبر سدًا للفجوة التدريبية في قاعدة فالون الجوية، حيث توفر المحاكاة بديلا فعالا على المدى القريب».
وبحلول نهاية 2025، ستستفيد البحرية الأمريكية من محاكيات عالية الدقة تعتمد على نظام المحاكاة المشترك الكامل، وهذه المحاكيات تمثل التهديدات الجوية والطيف الكهرومغناطيسي بشكل واقعي، ما يساعد الطيارين على التدريب في بيئة مشابهة للقتال الفعلي، وهذا يضمن حصول الطيارين على تجربة قتالية محاكية للواقع.
أكد مدير محاكاة JSE المشرف على عمليات المحاكاة والاختبارات في بيئة التدريب المشتركة، بلين سامرز، على أن هذه الطرق من المحاكاة تمنح طياري F-35 في البحرية الأمريكية تجربة واقعية جدا، ويشعر الطيارون وكأنهم في معركة حقيقية، ويتلقون تحذيرات مرئية وصوتية عند مواجهة تهديدات، ويتم تقييم أدائهم بناءً على الأخطاء التكتيكية التي يرتكبونها، ما يساعدهم على تحسين مهاراتهم في التعامل مع المواقف الصعبة.
مواجهة التهديدات الجوية
ومنذ بدء تشغيل برنامج JSE في قاعدة باتوكسنت ريفر بماريلاند الجوية البحرية، غيرت البحرية الأمريكية طريقة تدريب طياري F-35، حتى أن مدارس الأسلحة مثل “توبجان” قامت بتعديل مناهجها لتشمل تدريبًا متقدمًا في بيئات محاكاة، مع التركيز على القتال في ساحة المعارك الجوية بين الطائرات مثل «جو-جو وجو-سطح»، ما يزيد من فعالية التدريب العسكري.
ولا يقتصر برنامج المحاكاة JSE في البحرية الأمريكية فقط على تدريب الطيارين المحليين بأمريكا، بل أصبح وجهة تدريبية دولية أيضًا، ففي السنة الماضية، حضر 820 طيارًا من دول مختلفة إلى قاعدة باتوكسنت ريفر للحصول على تدريب قتالي متقدم، الأمر الذي عزز قدرة الطيارين على مواجهة التهديدات الجوية والسطحية بكفاءة.
ابتداءً من العام المقبل، سيضاف المزيد من القواعد العسكرية في ولايات أمريكية أخرى، مثل كاليفورنيا ونيفادا لدعم برنامج JSE للمحاكاة الجوية البحرية، وعلى الرغم من أن المحاكيات ستعمل بشكل مستقل في كل قاعدة، إلا أنها ستستخدم نفس البرنامج، ما يضمن للطيارين تجربة تدريب متسقة في مواقع متعددة، ولا تزال البحرية الأمريكية تواصل تحديث وتحسين هذه الأنظمة لمواكبة التحديات التقنية وضمان توزيع المعلومات التدريبية بشكل دقيق وفعلي.