تمتلك مصر كنوز تاريخية، تعكس حضارتها الفرعونية، وتعتبر منارة ثقافية، تسهم في تعزيز الحوار الحضاري بين الشعوب، ودائمًا توجه رسائل للعالم بأن تراثها سيظل محفوظًا ومُصانًا، ليبقى شاهداً على عظمة تاريخها وإبداع حضارتها.
واستمرارًا للجهود المصرية الدؤوبة للحفاظ على تراثها الحضاري، نجحت مصر في استرداد مجموعة نادرة من القطع الأثرية من دولة أيرلندا، وذلك في إطار الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الأيرلندية دبلن.
في هذا التقرير سنتناول جهود مصر الدؤوبة في استرداد قطعها الأثرية التي تمثل جزءًا أصيلاً من هويتها الحضارية، ونسلط الضوء على الإنجاز الأخير باستعادة مجموعة نادرة من القطع الأثرية من أيرلندا، على هامش زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دبلن.
ونتعرف على تفاصيل هذه القطع التاريخية وأهميتها، ودور الاتفاقيات الدولية في دعم عملية الاسترداد، إلى جانب الجهود المشتركة بين الجهات المعنية داخل مصر وخارجها لتحقيق هذا النجاح الذي يعزز العلاقات الثقافية بين مصر وأيرلندا.
وأكد الدكتور شعبان عبد الجواد، مدير عام الإدارة العامة لاسترداد الآثار والمشرف على الإدارة المركزية للمنافذ الأثرية، أن هذا الإنجاز يمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز التراث الثقافي المصري وترسيخ العلاقات الثقافية بين البلدين.
◄ إنجاز جديد
أعلنت وزارة السياحة والآثار، بالتعاون مع وزارة الخارجية المصرية، عن نجاحها في استرداد مجموعة مميزة من القطع الأثرية المصرية التي كانت بحوزة جامعة كورك الأيرلندية، جاءت هذه الخطوة على هامش زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دبلن، والتي شهدت تعزيزًا للعلاقات الثنائية بين مصر وأيرلندا في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاون الثقافي.
أوضح الدكتور شعبان عبد الجواد أن المجموعة المستردة تضم قطعًا أثرية ذات قيمة تاريخية كبيرة تعود إلى فترات متنوعة من الحضارة المصرية القديمة. ومن أبرز هذه القطع:
الأواني الكانوبية: أربعة أوانٍ كانوبية تعود لكاهن يُدعى “با ور” من الأسرة 22 في العصر المتأخر، كان الكاهن يحمل ألقابًا مهمة مثل “والد الإله” و”حارس حقول الإله”.
التابوت الخشبي: تابوت ملون من العصر الصاوي يعود لشخص يُدعى “حور”، الذي كان يحمل لقب “حامل اللوتس”، وُجد داخل التابوت بقايا مومياء وعدد من أسنانها، والتي أثبتت الدراسات الأثرية أنها تعود لصاحب التابوت.
قطع الكرتوناج الملونة: خمس قطع كرتوناج من العصر اليوناني الروماني، كانت تُستخدم لتغطية المومياوات، ما يعكس براعة الفن المصري القديم في تلك الحقبة.
◄ التعاون الثقافي بين مصر وأيرلندا
أضاف الدكتور شعبان عبد الجواد أن التعاون الكبير بين كافة الجهات المعنية في مصر وأيرلندا، مشيرًا إلى أن استرداد هذه القطع جاء نتيجة جهود مشتركة استمرت لأكثر من عام ونصف.
وأعرب عن شكره لوزارة الخارجية المصرية والسفارة المصرية في دبلن، وكذلك السفارة الأيرلندية في القاهرة، بالإضافة إلى جامعة كورك التي أبدت رغبة حقيقية في إعادة القطع إلى موطنها الأصلي مصر.
أشار إلى أن هذا الإنجاز لم يكن ليتم لولا التعاون المستمر بين وزارة السياحة والآثار، وفرق العمل المتخصصة بالإدارة العامة لاسترداد الآثار، وأضاف: “فخور بفريقي من الإدارة العامة لاسترداد الآثار الذين أظهروا التزامًا وجهودًا كبيرة لتحقيق هذا الهدف، هذه الخطوة تعكس العمل الجاد والدؤوب للحفاظ على تراثنا الثقافي وإعادته إلى موطنه الأصلي”.
◄ دور الاتفاقيات الدولية في الاسترداد
أوضح الدكتور عبد الجواد أن استرداد هذه القطع جاء بناءً على اتفاقية ثنائية بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة كورك الأيرلندية، وهي الاتفاقية التي تم توقيعها مؤخرًا لتعزيز التعاون في مجال حماية التراث الثقافي، وأشار إلى أن القطع المستردة كانت قد حصلت عليها الجامعة خلال الفترة ما بين عامي 1920 و1930.
وأكد أن هذه الاتفاقيات تُعد أدوات فعّالة لاسترداد القطع الأثرية المهربة أو التي خرجت بشكل غير قانوني، مضيفًا: “هذه الخطوة تُبرز أهمية التعاون الدولي في حماية التراث الثقافي، وتعزز من دور مصر الرائد في استرداد آثارها والحفاظ عليها.”
◄ إيداع القطع في المتحف المصري
وعن مصير القطع المستردة، أكد الدكتور شعبان عبد الجواد أنه سيتم إيداعها في المتحف المصري بالتحرير، حيث ستخضع لعملية ترميم دقيقة من قبل فريق متخصص، استعدادًا لعرضها في معرض مؤقت، وسيخصص هذا المعرض لعرض القطع الأثرية التي تم استردادها حديثًا، لتسليط الضوء على جهود الدولة في استعادة تراثها الحضاري.
وأضاف: “القطع المستردة ستُعرض ضمن معرض يبرز أهمية التراث المصري القديم، ليس فقط كمصدر فخر وطني، بل أيضًا كرسالة ثقافية وإنسانية للعالم أجمع.”
◄ رسالة مصر للعالم
أشار الدكتور شعبان عبد الجواد إلى أن هذا الإنجاز يعكس جهود الدولة المصرية المستمرة لحماية تراثها واستعادته، مؤكدًا أن مثل هذه النجاحات تسلط الضوء على مكانة مصر الثقافية والتاريخية.
وأضاف: «استرداد هذه القطع يُعد انتصارًا للهوية المصرية وتراثها الذي يُعد جزءًا لا يتجزأ من التراث الإنساني العالمي. مصر ستظل ملتزمة ببذل كافة الجهود الممكنة لاستعادة ما تبقى من آثارها في الخارج».
◄ تعزيز العلاقات الثقافية بين مصر وأيرلندا
وأكد عبد الجواد أن هذه الخطوة تُعد نموذجًا للتعاون الثقافي بين مصر وأيرلندا، مشيرًا إلى أن إعادة هذه القطع الأثرية تُعزز من العلاقات الثنائية بين البلدين، ليس فقط على المستوى السياسي، بل أيضًا على المستوى الثقافي والعلمي.
واختتم قائلاً: «استرداد هذه القطع الأثرية يفتح آفاقًا جديدة للتعاون مع المؤسسات الثقافية والأكاديمية في مختلف دول العالم. نتطلع إلى المزيد من التعاون الذي يهدف إلى حماية التراث العالمي».
يأتي هذا النجاح ليُضاف إلى سلسلة إنجازات مصر في استرداد آثارها، ويُجسد رؤية الدولة المصرية في الحفاظ على هويتها الثقافية وتراثها الحضاري.