سميت بعروس النيل، وأطلقوا على عاصمتها قديما جزيرة الورد.. إنها محافظة الدقهلية وعاصمتها المنصورة التي كانت تضم جزيرة جميلة في نيلها مليئة بالورد والشجر الأخضر، أصبحت الآن جزءا من المشاية السفلية بمدينة المنصورة ويحتلها الآن نادي جزيرة الورد أشهر النوادي بالمحافظة، ومن هنا نبحر عبر الزمن لنتعرف على تاريخ محافظة الدقهلية، ونشأتها، وسر تسميتها بالدقهلية، وسر المنصورة المنصورة عبر سطور اليوم السابع المقبلة.
الحوف والريف
فتح العرب مصر، وقسموا أرض الدلتا إلى قسمين هما: الحوف، والريف، وكان الحوف يشمل الأراضي الواقعة شرق فرع دمياط من عين شمس حتى دمياط، بينما كان الريف يضم باقي أراضى الدلتا حتى الإسكندرية، وقسم العرب الحوف، والريف إلى 44 كورة، 14 كورة للحوف، و 31 كورة للريف، وكانت الكورة تعادل في مساحتها المركز الموجود في الوقت الحاضر.
تم تعديل هذا التقسيم في القرن الثالث الهجري؛ لتصبح أراضى الدلتا 3 أقسام هي: الحوف الشرقي، الحوف الغربي، وبطن الريف ثم ألغاه الفاطميين، واستبدلوه بتقسيم آخر كانت فيه مصر مقسمة إلى 22 إقليماً، 13 كورة “إقليم” منها بالوجه البحري، ومن بينها على سبيل المثال: (المرتاحية، الشرقية، الدقهلية، الأبوانية).
المرتاحية كانت أجا والمنصورة
“المرتاحية” هو اسم أحد الأقاليم المصرية بالوجه البحري في العهد العربي، وكان يقال له كورة المرتاحية، وكان هذا الإقليم واقعاً في المنطقة التى تشمل اليوم بلاد مركزي المنصورة، وأجا، وكان يجاوره من الناحية الشمالية إقليم الدقهلية، الذي كان في ذلك الوقت واقعاً في المنطقة، التي تضم اليوم بلاد مراكز فارسكور، دكرنس، منية النصر، المنزلة.
دقهلة سر التسمية
من أهم قرى إقليم الدقهلية في ذلك الوقت قرية “دقهلة”، وهى من القرى القديمة، وورد ذكرها في كتاب المماليك والمسالك لابن خردوازية باسم كورة دقهلة، وإليها ينسب إقليم الدقهلية من وقت الفتح العربي لمصر، وكانت مساكن قرية دقهلة القديمة واقعة شرق ترعة الشرقاوية، ومكانها الآن يعرف باسم عزبة “الكاشف” وبسبب ما أصاب مساكنها من تقادم أنشأ سكانها قرية جديدة لهم باسم “دقهلة” أيضا تقع إلى الشمال الغربي من “دقهلة” القديمة، وعلى بعد كيلو متر واحد منها.
وأصبحت دقهلة قاعدة كورة الدقهلية من أول الفتح العربي، واستمرت قاعدة لإقليم الدقهلية حتى إقليم المرتاحية، وصار إقليماً واحداً باسم “أعمال الدقهلية والمرتاحية”، وفي تلك السنة نقلت القاعدة من “دقهلة” إلى “أشمون طناح”، أو “أشمون الرمان”؛ لتوسطها بين الإقليمين.
المنصورة عاصمة الدقهلية في العهد العثماني
وفي أوائل الحكم العثماني اختصر اسم هذا الإقليم الذي يشمل “أعمال الدقهلية والمرتاحية” إلى اسم “الدقهلية”، ونقلت القاعدة إلى المنصورة عام 1527م، وكانت حدود هذا التقسيم الإداري الجديد بلدة السنبلاوين جنوباً إلى قرب بلدة شربين شمالاً، أما الأراضي الواقعة على ضفتي فرع دمياط فيما يلي هذا الإقليم فكانت تسمى ثغر دمياط، بينما تسمى أراضى الجزء الجنوبي من محافظة الدقهلية الحالية إقليم نوسا، التي كانت قاعدة إقليم “المرتاحية”، ويشمل الآن مركزي “أجا” و”ميت غمر”.
المنصورة بناها الملك الكامل بن العادل الأيوبي
العاصمة، أو قاعدة مديرية الدقهلية أنشأها الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب من ملوك الدولة الأيوبية في عام 616 هـ، ونقل ابن دقماق من كتاب الانتصار عن كتاب تقويم البلدان للمؤيد عماد الدين بأن المنصورة بناها الملك الكامل بن العادل قبالة قرية “جوجر” عند مفترق النيل على دمياط وأشموم، وبينهما جزيرة تسمى “البشمور” بناها في وجه العدو لما حاصر الفرنج دمياط، وقال ابن دقماق: (والصواب أن المنصورة قبالة بلدة تسمى طلخة، وجوجر بعيدة عنها)، ثم قال: (وهي مدينة بها حمامات، وأسواق وهي على ضفة النيل الشرقي).
و ذكرها المقريزي في خططه فقال: (إن هذه البلد على رأس بحر أشموم “البحر الصغير الآن” تجاه ناحية طلخا، بناها الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب في عام 616 هـ عندما ملك الفرنج مدينة دمياط، فنزل في موضع هذه البلدة، وخيم به، وبنى قصراً لسكناه، وأمر من معه من الأمراء، والعساكر بالبناء فبنيت هناك عدة دور، ونصبت الأسواق، وأدار عليها سوراً مما يلي البحر “فرع النيل الشرقي”، وستره بالآلات الحربية والستائر، وسميت هذه المدينة المنصورة تفاؤلا لها بالنصر، ولم يزل بها حتى استرجع مدينة دمياط، ثم صارت مدينة كبيرة بها المساجد، والفنادق، والحمامات، والأسواق).
وكانت بلد “أشمون طناح”، التي تعرف اليوم باسم “أشمون الرمان” بمركز دكرنس قاعدة لإقليم “الدقهلية”، و”المرتاحية” ومقر ديوان الحكم فيه إلى آخر أيام دولة المماليك.
و لما استولى العثمانيون على مصر رأوا بلدة “أشمون الرمان” فضلاً عن بعدها عن النيل الذي كان هو الطريق العام للمواصلات في ذاك الوقت قد اضمحلت وأصبحت لا تصلح لإقامة موظفي الحكومة، ولهذا اصدر سليمان الخادم والي مصر أمرا في عام 933 هـ ، 1527 م بنقل ديوان الحكم من بلدة أشمون الرمان إلى مدينة المنصورة؛ لتوسطها بين بلاد الإقليم، وحسن موقعها على النيل، وبذلك أصبحت المنصورة عاصمة إقليم الدقهلية، ومقر دواوين الحكومة من تلك السنة إلى اليوم.
انفصال بندر المنصورة عن مركز المنصورة
وفي سنة 1871 م أنشئ قسم المنصورة، وجعلت المنصورة قاعدة له ثم سمي مركز المنصورة منذ عام 1881 م، ولاتساع دائرة المنصورة، وكثرة أعمال الإدارة، والضبط فيها أصدرت نظارة الداخلية في سنة 1890 م قراراً بإنشاء مأمورية خاصة لبندر المنصورة، وبذلك أصبح البندر منفصلاً عن مركز المنصورة بمأمورية قائمة بذاتها.
وتعد المنصورة أشهر، وأكبر مدن الإقليم الجنوبي لحسن موقعها على الشاطئ الشرقي لفرع النيل الشرقي فرع دمياط، وبمركزها التجاري، والطبي العظيم بالوجه البحري.
محافظة الدقهلية اليوم
اليوم تحتل محافظة الدقهلية موقعها على جانبى فرع دمياط فى الشمال الشرقى لدلتا النيل على شكل مثلث رأسه فى الجنوب، وقاعدته في الشمال حيث البحر الأبيض المتوسط، وبحيرة المنزلة، ويجاورها غرباً محافظتي كفر الشيخ، والغربية، وشرقاً محافظة الشرقية، بمساحة 3538.2 كيلومترا مربعا، بنحو 647 ألف فدانا، وتعتبرثالث محافظات الجمهورية في الترتيب بعد محافظتي الشرقية، والبحيرة من حيث المساحة المنزرعة حيث تمثل 8% من المساحة المنزرعة على مستوى الجمهورية، وعاصمتها هي مدينة المنصورة، وتضم 19 مركزا، وهي محافظة غنية بإمكانياتها الزراعية، والمائية، بالإضافة لامتلاكها لثروة سمكية كبيرة، وإنتاج ضخم من اللحوم بأنواعها، ويضاف إلى ذلك انتشار القلاع الصناعية في نواحيها.
عدد السكان الدقهلية
وقد سبق وأن أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في آخر إحصائياته عن أن عدد سكان محافظة الدقهلية قد بلغ 7,098,015 نسمة، موزعين كالتالي، 3288439 للذكور، و3221470 للنساء، بينما يصل عدد الأطفال لـ 738810 نسمة، وتعتبر بذلك من أعلى المحافظات كثافة بالسكان.
العيد القومي وشعار محافظة الدقهلية
يتمثل شعار محافظة الدقهلية في أرضية خضراء إشارة إلى تميز المحافظة بالزراعة، وترس ماكينة كرمز للصناعة، وتحتفل محافظة الدقهلية يوم 8 فبراير من كل عام بعيدها القومي، حيث يوافق ذكرى انتصار أهل المنصورة، وأهالي مدن وقرى المحافظة على الحملة الفرنسية، عام 1250م في معارك متفرقة؛ انتهت إلى أسر لويس التاسع، ملك فرنسا في دار ابن لقمان، حيث بقي أسيرا لثلاثة شهور، حتى افتدى نفسه، واستقر في الشام لمدة 4 سنوات، منذ عام 1250 م، وحتى 1254 م، عاد بعدها إلى وطنه فرنسا.
جدير بالذكر أن محافظة الدقهلية كانت تحتفل في السابق بالعيد القومي في 8 مايو من كل عام، وهو اليوم الذي فُك أسر لويس التاسع فيه، وليس يوم الأسر، حتى تم تغييره فى عهد المحافظ فخر الدين خالد عام 2000 م إلى 8 فبراير من كل عام .
التقسيم الإداري لمحافظة الدقهلية
تنقسم محافظة الدقهلية إدارياً إلى 19 مركزا، و 19 مدينة، و 499 قرية، بالإضافة إلى مدينة المنصورة الجديدة، ومراكز المنصورة هي: (المنصورة، أجا، السنبلاوين، بلقاس، الستاموني، دكرنس، منية النصر، المنزلة، الجمالية، المطرية، تمي الأمديد، بني عبيد، شربين، طلخا، الكردي، محلة دمنة، ميت سلسيل، ميت غمر، نبروه).
حياة كريمة في الدقهلية
والآن وضعت مبادرة “حياة كريمة” محافظة الدقهلية على خريطة التنمية، والتطوير، حيث استهدفت المرحلة الأولى من مبادرة “حياة كريمة” 26 قرية بمحافظة الدقهلية، ويستفيد منها أكثر من 380 ألف نسمة، منهم 48,5% من الإناث، وتتضمن عددا من المشروعات التي تحقق جميع أهداف التنمية المستدامة، ومن بينها: إنشاء 5 عمارات سكنية للأسر الأولى بالرعاية، و 12 وحدة إجتماعية، و 8 مجمعات خدمات زراعية، و 7 نقاط إسعاف، و 24 وحدة صحية، و 738 فصل دراسي، و 56 مدرسة، و 8 محطات مياه شرب، و 26 مشروع صرف صحي، و 9 محطات معالجة، و 38 برج شبكات محمول توصيل شبكة الألياف الضوئية، و 24 مركز شباب، و 8 مجمع خدمات حكومية، و 22 مكتب بريد، إلى جانب 16 مشروع تأهيل، وتبطين ترع بطول 75 كم، كما أن الخطة تستهدف تنفيذ 79 مشروعا تنمويا في مجال خدمات الإسكان بمحافظة الدقهلية، وتتمثل أهم المستهدفات التنموية في هذا القطاع في توجيه نحو 419,6 مليون جنيها لخدمات مياه الشرب والصرف الصحي، إلى جانب تنفيذ 278 مشروعا في مجال التنمية المحلية، وتتمثل أهم المستهدفات التنموية في هذا القطاع في رصف طرق محلية بحوالي 469 مليون جنيها.