تهدد التغيرات المناخية، استدامة الوضع الاقتصادي العالمي، وتحمل تحديات لاقتصاديات الدول والقوى الكبرى، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبى خصوصًا فى مجال الطاقة، وفي الوقت ذاته تكافح أوروبا فى وسط تلك التحديات الكبرى إلى تحقيق التزاماتها تجاه قضية التغير المناخي.
◄ تقليل الانبعاثات الكربونية
وتُعد الطاقة المتجددة، من أهم المصادر التي يجب التوسع في الاعتماد عليها، لتقليل الانبعاثات الكربونية، والتحول نحو إنتاج الطاقة بشكل نظيف وآمن بيئيًا، أيضًا يعد الهيدروجين الأخضر أحد أهم مصادر الطاقة النظيفة، حيث ينتج من خلال التحلل الكهربى للماء وهو تفاعل كهروكيميائي بسيط جدًا يتم خلاله تفكيك جزيئات الماء كهربيًا إلى هيدروجين وأكسجين، وبعدها يستخلص الهيدروجين، حيث يمكن نقله فى صورته الغازية عبر خطوط الأنابيب أو تسييله حيث يمكن نقله فى صوره سائلة.
ويستخدم الهيدروجين كوقود فى محركات احتراق داخلى شبيهة بالمحركات السائدة حاليا، ولكنها تعمل بنظام الاحتراق النظيف أو من خلال خلايا الوقود لتحويل الهيدروجين إلى ماء واستعادة الطاقة الكهربائية المخزنة فيه دون أى انبعاثات مضرة بالبيئة، وهو ما يجعل الهيدروجين مناسبا كمصدر للطاقة للصناعات عالية الاستهلاك مثل صناعة الصلب، وبالتالى يمكن تقليل البصمة الكربونية لتلك الصناعات بالاعتماد على الهيدروجين.
◄ اهتمام القيادة السياسية
وتولي القيادة السياسية في مصر، بالتوسع في الاعتماد على الهيدروجين الأخضر، كمصدر للطاقة النظيفة، للحد من مخاطر التغيرات المناخية، وهو ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال زياته الرسمية لدولة الدنمارك، ولقائه بـ «فيليب كريستياني»، رئيس شركة شركاء كوبنهاجن للبنية التحتية، الذي أشار إلى تطلع شركته للتعاون مع مصر، وتعزيز استثماراتها في قطاعات الطاقة النظيفة والمستدامة، نظراً للفرص الواعدة ذات الصلة المتاحة بالسوق المصري.
وأكد الرئيس السيسي، على أن مصر مهتمة بالتوسع في إنتاج الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، بما في ذلك من خلال مشروع إنتاج الأمونيا الخضراء، فضلا عن حرص مصر على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصفة عامة، وبالأخص في مجال الطاقة النظيفة، وحرصها كذلك على دعم الشركات الأجنبية العاملة في مصر.
◄ إنتاج الهيدروجين
وتعتبر مصر من الدول المرشحة بقوة لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر لأسواق الطاقة خصوصًا السوق الأوروبى لعدة أسباب:
أولاً: يمكن لمصر إنتاج الهيدروجين بسعر رخيص جدا يصل لـ 2.7 دولار/كجم وتطمح لتخفيضه لـ 1.7 دولار/كجم بحلول عام 2050.
ثانياً: موقع مصر الجغرافى القريب نسبيا من جنوب وجنوب شرق أوروبا يؤهلها لتصدير الهيدروجين عبر خطوط الأنابيب مباشرة بدلا من تسييله أو تحويله لأمونيا.
ثالثاً: ثراء مصر بنوعين من مصادر الطاقة المتجددة هما الشمس والرياح، وهو ما يعطى المزيد من الأريحية فى استمرارية عمليات توليد الطاقة اللازمة للإنتاج.
رابعاً: ثبات مصر واستقرارها السياسى والأمنى مقارنة بدول أخرى فى شمال إفريقيا، وتخطط أوروبا لاستثمار 1.5 تريليون دولار فى إنتاج الهيدروجين وما يستلزمه ذلك من بنية تحتية داخل وخارج دول الاتحاد بحلول عام 2050 ويمكن لمصر الاستفادة من نسبة غير قليلة من هذا الاستثمار العملاق.
◄ جذب الشركات المتخصصة
وتخطط مصر لإنتاج نحو 6 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنويا بحلول عام 2040 بقيمة تصل إلى نحو 90 مليار دولار، وخلال السنوات التسع الماضية بذلت الحكومة المصرية جهودا كبيرة لجذب الشركات المتخصصة فى إنتاج الهيدروجين خصوصا من خلال الحوافز الاستثمارية التى تقدمها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث نجحت بالفعل فى جذب العديد من منتجى الطاقة الإقليميين أو العالميين وفى تنفيذ عدد من المشروعات منها مصنع الهيدروجين الأخضر فى العين السخنة الذى حاز على أفضل مشروع للطاقة فى الدول النامية لعام 2023.
وتتوقع الحكومة المصرية أن تصل الاستثمارات فى مجال الهيدروجين الأخضر إلى 81 مليار دولار بحلول عام 2030، حيث يعتبر الهيدروجين الأخضر فرصة تاريخية لمصر للتحول لمصدر عالمى لإنتاج وتصدير الطاقة النظيفة فلا نبالغ عندما نقول إن مصر يمكن أن تكون السعودية الجديدة فى مجال الطاقة الجديدة مع الوضع فى الاعتبار حاجة السوق الأوروبى للطاقة وموقع مصر منه.
◄ أمر حتمي
من جانبه، قال الدكتور سامح نعمان، أستاذ هندسة الطاقة، إن التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر يعتبر أمر حتمي في الأيام المقبلة، كون أن العالم يبحث عن استخدام وقود لا يحتوي على أي كربون، والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء تدخلان ضمن الوقود الذي لا يحتوي على المادة الكربونية.
وأضاف «نعمان» خلال تصريحات له أن الهيدروجين الأخضر يستخدم في كل الأمور، فضلا عن أن استخداماته تعتبر أكثر من استخدامات الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن الهيدروجين الأخضر يستخدم في جميع أنواع المركبات، إذ أنه لا توجد أي عوادم من الهيدروجين، إلى جانب أن الوقود الأحفوري يخرج نسب عالية من العوادم تؤذي البيئة.
وتابع: «الصناعات الثقيلة مثل، الحديد والصلب تحتاج إلى طاقة كثيفة وعند استخدام الأمونيا الخضراء أو الهيدروجين الأخضر يؤدي إلى انعدام الانبعاثات الكربونية بالجو، مما يعمل على إنتاج طاقة أعلى من استخدام طاقة الوقود الأحفوري».
◄ مركز إقليمي للطاقة
وأكد أن الأمونيا الخضراء تستخدم في الزراعة وتعطي إنتاجية أكبر وأفضل من استخدام الأمونيا الزرقاء، فضلا عن أن عند استخراج الهيدروجين الأخضر فإنه لا يحتوي على ثاني أكسيد الكربون كباقي أنواع الهيدروجين.
وواصل أستاذ هندسة الطاقة، أنّ مصر استضافت مؤتمر المناخ العالمي COP27 وتولت رئاسته لمدة عام بداية من نوفمبر 2022 ثم بعد ذلك تركت رئاسة المؤتمر لدولة الإمارات؛ إذ حققت مصر العديد من الأهداف خلال هذا المؤتمر بمشاركة العديد من الشركات العالمية المتخصصة في مجال الطاقة النظيفة التي أجرت أبحاث في مجال التحول نحو استخدام الهيدروجين، وبالتالي عززت مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة الخضراء، كون مصر وقعت العديد من الاتفاقيات مع هذه الشركات ووصلت الاستثمارات نحو 33 مليار دولار.
◄ البديل الأمثل للوقود الأحفوري
وفي ذات السياق، قال الدكتور رمضان أبو العلا، أستاذ هندسة الطاقة، إن الهيدروجين الأخضر يعد أبسط العناصر وأكثرها وفرة على الأرض، موضحا أنّ العالم يستهلكه بمعدل 90 مليون طن سنويًا، ويبلغ الاستهلاك المحلي 2 مليون طن؛ إذ تعتمد العديد من الصناعات عليه مثل الحديد والصلب والأسمدة، مشيرًا إلى أن عملية إنتاجه تجرى بطرق مختلفة مثل الهيدروجين الرمادي الذي ينتج من الغاز الطبيعي وبخار الماء، والهيدروجين الأخضر ينتج عن طريق التحلل الكهربائي للمياه باستخدام كهرباء مولدة من مصادر طاقة متجددة.
وأضاف «أبو العلا» في تصريحات متلفزة، أن مؤتمرات المناخ الدولية توصي باستخدام الهيدروجين باعتباره البديل الأمثل للوقود الأحفوري من أجل تحقيق الاستدامة وتوفير احتياجات العالم من الطاقة، فضلا عن تقليل الانبعاثات الضارة التي يسببها الوقود الأحفوري باعتبار الهيدروجين أحد أهم عناصر الطاقة النظيفة.