يبدو مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة لغزة، والذي انعقد اليوم الثلاثاء في الأردن، بمثابة خطوة جديدة نحو وضع المزيد من الضغوط على الاحتلال الإسرائيلي، عبر توفير الحشد الدولي اللازم لمجابهة تلك الانتهاكات التي ترتكب في قطاع غزة، في لحظة تبدو محورية وحاسمة، شهدت العديد من الانتصارات الدبلوماسية الكبيرة للقضية الفلسطينية، في الوقت الذي فشلت فيه حكومة نتنياهو على كافة الأصعدة، سواء ميدانيا، مع عجزها عن القضاء على الفصائل الفلسطينية، أو سياسيا مع تفاقم غضب الشارع، مع الانقسام الكبير داخل الحكومة، أو على الصعيد الدبلوماسي، جراء الاعترافات المتواترة بدولة فلسطين، قبل دول أوروبية، محسوبة على المعسكر الموالي للدولة العبرية، وهو ما يمثل إنجازا مهما لصالح القضية الطويلة الأمد.
وبين الانتصارات الفلسطينية وخسائر الاحتلال، ثمة جهود كبيرة، بذلتها الدول العربية، وعلى رأسها مصر، في الأشهر الماضية، لحشد الدعم الدولي، وتغيير المواقف التي تبنتها القوى الرئيسية خاصة في أوروبا الغربية، مع العمل يدا بيد، مع الولايات المتحدة، من أجل الوصول إلى توافقات، من شأنها تحقيق وقف إطلاق النار، أو على الأقل هدنة طويلة الأمد، يمكن من خلالها حل العديد من القضايا، بدء من تلك المرتبطة بالحالة اللحظية، وعلى رأسها تبادل الأسرى والرهائن، بينما يمكن مدها نحو القضايا الرئيسية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، عبر تعزيز حل الدولتين، والذي بات يحظى بزخم كبير في اللحظة الراهنة، مع تواتر الاعترافات بدولة فلسطين، من قبل دول أوروبية، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين.
الجهود المصرية، ومن ورائها العربية، لدعم فلسطين بدأت منذ قمة القاهرة للسلام والتي عقدت في أكتوبر الماضي، والتي ارتكزت على المسار السياسي المرتبط بفلسطين، وكذلك الإنساني المرتبط بقطاع غزة، بينما يرتكز مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة لغزة على البعد الإنساني، في ضوء الانتهاكات المرتكبة، وما يتطلبه ذلك من ضرورة وقف إطلاق النار، مع التركيز على إنهاء الحصار للسماح بدخول المساعدات الإنسانية مع العمل على عودة النازحين، وكذلك توفير الدعم الدولي للأونروا.
وعند النظر إلى النقاط سالفة الذكر، نجد أن ثمة حالة من التكامل بين أهداف المؤتمر المنعقد في عمان، وقمة القاهرة، والتي انعقدت قبل عدة أشهر، حيث يبقى وقف إطلاق النار أولوية قصوى، خاصة مع تزايد أعداد الشهداء والمصابين، بصورة كبيرة، بينما يكشف في الوقت نفسه استخدام الدولة العبرية المفرط لسلاح التجويع، وهو ما يمثل ركنا أصيلا من أركان جرائم الإبادة الجماعية، وكذلك إحبار السكان على ترك أراضيهم، ناهيك عن تقديم الدعم للأونروا، والتي سعت تل أبيب إلى تشويهها منذ عدة أشهر من اجل وقف الخدمات التي تقدمها للفلسطينيين المحاصرين بالقصف والجوع.
جانب آخر من جوانب التكامل، يبدو واضحا في الجهود الكبيرة التي تبذلها كلا من مصر والأردن، واللذان شكلا معا ثنائية استثنائية، وهو ما يعكس وحدة الموقف الذي تتبناه الدول التي تمثل المحيط الإقليمي لفلسطين، خاصة وأنهما المستهدفان الرئيسيان من دعوات التهجير التي أطلقها الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما سبق وأن رفضته مصر، في العديد من المناسبات الدولية، بدءً من قمة القاهرة للسلام، مرورا بالقمة العربية الإسلامية بالرياض، وحتى اللقاءات الرسمية التي عقدتها القيادة المصرية مع كل دول العالم، مما أثمر عن حشد دولي كبير رافض للفكرة، والتي تمثل انتهاكا للشرعية الدولية، بينما يبقى الطرف الثالث هو فلسطين، والتي تمثل القضية نفسها، ويمثلها الرئيس محمود عباس، وهو ما يعكس الدعم المطلق للسلطة الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
وتبقى “خصوصية” العلاقة بين مصر والأردن انعكاسا صريحا لحالة من التوافق، فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية والإقليمية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، والتي تمثل نموذجا لـ”الرعاية التكاملية”، ففي الوقت الذي لعبت فيه القاهرة دورا رئيسيا في رعاية القضية والدفاع عنها سياسيا، كانت عمان راعيا للمقدسات الدينية في مدينة القدس، وهو ما يمثل لحالة من تكامل الأدوار، التي يمكن تعميمها على مختلف القضايا الدولية والإقليمية الأخرى، بعيدا عن الرؤية القائمة على الاستئثار، والتي تمثل أحد أهم سمات الحقبة الدولية المنقضية، والتي سعت خلالها القوى الدولية الحاكمة للعالم إلى تعزيزها، في إطار يمكن من خلاله تعزيز هيمنتها، عبر تقوية دور حلفائها، في مختلف مناطق العالم، مقابل الدوران في فلكها.
وهنا يمكن القول بأن المؤتمر يمثل امتدادا لما يمكن تسميته بدبلوماسية التوافقات، والتي اعتمدتها القاهرة، فيما يتعلق بحشد الدعم سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، لمواجهة الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال، ولاستعادة الزخم لحل الدولتين، والذي شهد إهمالا كبيرا من قبل المجتمع الدولي طيلة عقود من الزمان.