
مصاصو الدماء يعدون جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية والأساطير التى أثارت الرعب والفضول عبر العصور، من خلال القصص والكتب، استحوذت هذه الكائنات الأسطورية على مخيلة البشر لقرون، يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، حيث انتشرت هذه الحكايات بشكل كبير، خاصة فى أوروبا الشرقية.
الاهتمام الأكاديمى والأثرى فى موضوع مصاصى الدماء يوضح أن هذه الأساطير لم تكن مجرد خيال شعبى، بل كانت جزءًا من الثقافة والمعتقدات فى تلك الفترة، فقد أعطت الاكتشافات الأثرية لمحة عن مدى جدية هذه المعتقدات، وكيف أنها كانت جزءًا من الواقع اليومى للناس فى تلك العصور، ما زالت هذه الأساطير تحظى بشعبية كبيرة فى الأدب والثقافة الحديثة.
لقد كان الخوف من مصاصى الدماء فى العصور الوسطى متجذرًا فى الاعتقاد بأن بعض الأفراد، بعد الموت، قد يعودون ككائنات شريرة، وكان يعتقد أن هذه الكائنات تتغذى على دماء أو قوة حياة الأحياء، فتجلب المرض والموت والبؤس لمجتمعاتها.
لم يكن هناك وصف موحد لمصاصى الدماء عبر المناطق، ولكن كان يعتقد عمومًا أنهم جثث أعيد إحياؤها وتسبب الرعب بين الأحياء، وكانت الخرافات حول مصاصى الدماء أكثر شيوعًا فى أوروبا الشرقية، ولكن ظهرت أيضًا أشكال مختلفة من الأسطورة فى أوروبا الغربية، ولكن ما هى الأسباب التى أدت لانتشار هذه الأساطير؟ وما هى طقوس الدفن التى مارست لمنع البعث؟ وما هى الاكتشافات الأثرية التى ساهمت فى توضيح هذه المعتقدات؟ وما هى الحقائق العلمية والتفسيرات الطبية؟!
المجتمع فى العصور الوسطى ودور الخوف
كانت المجتمعات فى العصور الوسطى تهيمن عليها مشاعر الخوف من المجهول، وكان الموت زائرًا متكررًا بسبب الأوبئة والحروب والمجاعات، وفى هذا السياق، كانت الخرافات حول مصاصى الدماء بمثابة وسيلة للمجتمعات لتفسير الأحداث التى لا يمكن تفسيرها، مثل تفشى الأمراض المفاجئ.
كان من المفترض أن تحمى المجتمعات فى العصور الوسطى نفسها من الأذى، من خلال دفن مصاصى الدماء المشتبه بهم بطرق تتحدى العادات العادية، ولم تكن هذه الطقوس مجرد تعبير عن الخوف، بل كانت أيضًا تعبيرًا عن تماسك المجتمع، حيث كان العمل الجماعى للتعامل مع مصاصى الدماء المشتبه بهم يعزز الروابط الاجتماعية والمعتقدات المشتركة.
التأثير الثقافى والدينى فى العصور الوسطى
فى العصور الوسطى، كانت الكنيسة الكاثوليكية لها تأثير كبير فى مجتمعات أوروبا، واستخدمت أسطورة مصاصى الدماء كوسيلة للتحذير من الشر والفساد، كان يعتقد أن مصاصى الدماء هم أرواح شريرة تعاقبها الكنيسة بسبب خطاياها، فقد لعبت دورًا كبيرًا فى تشكيل هذه الممارسات، وكان ينظر إلى مصاصى الدماء باعتبارهم تهديدًا للفهم المسيحى للموت والقيامة، وكانت المسيحية تعلم أن الروح إما أن تصعد إلى السماء أو تهبط إلى الجحيم، ولكن وجود مصاصى الدماء كان يعنى ضمان أن الروح قد تظل مرتبطة بالجسد فى حالة من الغموض، فتعود إلى عالم الأحياء فى هيئة شريرة.
وعلى هذا، فإن ممارسات الدفن التى استهدفت مصاصى الدماء المشتبه بهم لم تكن مجرد محاولات لحماية الأحياء فحسب، بل كانت أيضًا محاولات لضمان الحفاظ على النظام اللاهوتى للموت والحياة الآخرة.
«قبور مصاصى الدماء» ومخاوف عودة الموتى
لا توجد توابيت.. كانت التوابيت فى العصور الوسطى مخصصة عادة لأفراد المجتمع الأكثر ثراء، ولكن حتى بين الفقراء، كان من الممكن استخدام شكل من أشكال حاويات الدفن، فى حالة الاشتباه فى كونهم مصاصى دماء، كان غياب التابوت محاولة متعمدة لمنع الموتى من القيامة، وكان يعتقد أن مصاص الدماء يحتاج إلى حماية التابوت للحفاظ على جسده والهروب من القبر.
وبدفن الجثة مباشرة فى الأرض، دون تابوت، فإن القبر سوف يتعرض للعوامل الطبيعية بشكل أسرع، مما يؤدى إلى تعفن الجثة ومنعها من التحول إلى مصاص دماء.
لا توجد أغراض جنائزية.. فى العديد من الثقافات، كانت توضع أشياء جنائزية، مثل المتعلقات الشخصية أو العملات المعدنية للحياة الآخرة أو الأيقونات الدينية فى القبور لتكريم المتوفى ومساعدته فى رحلته إلى الحياة الآخرة، أما بالنسبة لأولئك المشتبه فى كونهم مصاصى دماء، فكان العكس هو الصحيح، كان يعتقد أن حرمان المتوفى من هذه الأشياء يمنعه من الانتقال بسلام إلى الحياة الآخرة، وبدون طقوس مناسبة، ستحبس الروح، مما يضمن عدم عودتها ككائن شرير، وبالإضافة إلى الافتقار إلى التوابيت والأغراض الجنائزية، تم استخدام ممارسات أخرى مروعة فى كثير من الأحيان لمنع مصاصى الدماء المشتبه بهم من العودة.
4 طقوس للدفن لمنع البعث
1 تثبيت الجثة.. كان يتم غرس وتد مصنوع من الخشب فى الجسم، وغالبًا فى القلب، لتثبيت الجثة على الأرض، وكان يعتقد أن هذا يحبس مصاص الدماء جسديًا فى قبره.
2 قطع الرأس.. فى كثير من الحالات، يتم قطع رأس مصاص الدماء المشتبه به ودفنه منفصلًا عن الجسم، وكان يعتقد أن هذا يمنع مصاص الدماء من النهوض.
3 الحجارة والطوب فى الفم.. فى بعض المدافن التى تعود إلى العصور الوسطى، وجد حجارة أو طوبة كبيرة موضوعة فى أفواه مصاصى الدماء المشتبه بهم، وكان يعتقد أن هذه الممارسة تمنع مصاص الدماء من التغذية، مما يضمن عدم قدرته على امتصاص دماء الأحياء.
4 وضع الجثة.. كانت الجثث تدفن أحيانًا ووجهها لأسفل أو مع ربط الأطراف، وكان هذا لإرباك أو إعاقة قدرة مصاص الدماء على النهوض من القبر.
التفسيرات الطبية للأمراض
يعتقد أن مصاصى الدماء يمتلكون أسنانا أو أنيابا حادة تساعدهم على استهلاك دم البشر أو أى سوائل أخرى فى الجسم. إنهم ينهضون ليلًا من قبورهم أو توابيتهم، كما يعتقد أن التعرض لأشعة الشمس يمكن أن يتسبب فى تدميرهم، ولكن الحقائق العلمية أثبتت التالى «مرض البروفيريا، وهو حالة طبية نادرة تسبب حساسية مفرطة للضوء وشحوب البشرة، مما يمكن أن يفسر بعض الصفات المرتبطة بمصاصى الدماء، وقد ساهمت هذه الأعراض فى تعزيز هذه الأساطير، وداء رهاب الدم، يعتقد أن بعض الأشخاص كانوا يعانون من اضطرابات نفسية تجعلهم يشعرون بالحاجة إلى شرب الدم.
إيطاليا
أعاد مجموعة من خبراء وعلماء الآثار ملامح وجه امرأة عاشت فى إيطاليا فى القرن السادس عشر، ودفنت بطريقة غير عادية «مصاصة دماء» فى المقابر الجماعية لضحايا الطاعون منذ سنوات طويلة، وضع حجر بين عظام فكها، وكان المقصود من الطوب منعها من التغذية على حساب الضحايا الموجودين معها بالمقبرة.
وفى عام 2014 اكتشف علماء آثار هيكلا عظميا لفتاة فى سن المراهقة فى إيطاليا تم دفن وجهها لأسفل، وقال الباحثون: إن دفن فرد بهذه الطريقة يدل على أن الشخص قد تم رفضه من قبل المجتمع أو اعتباره خطرًا، ربما بسبب اتهامات بالسحر. إن دفن الموتى بهذه الطريقة وسيلة لمنع الروح النجسة من تهديد الحياة.
كرواتيا
اكتشف علماء الآثار مقبرة غير عادية لـ«مصاصى الدماء»، يعود تاريخها إلى ما بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر، تضم هيكل عظمى لرجل قطع رأسه، ووضعت الجمجمة بعيدًا عن العظام الأخرى، وأكد العلماء أن الدفن غير المعتاد قد يشير إلى أن هذا الفرد كان يعتبر «شخصًا اجتماعيًا منحرفًا»، عندما كان على قيد الحياة، وبالتالى كان يُشتبه فى امتلاكه القدرة على القيامة مرة أخرى بعد الموت.
المملكة المتحدة
قرية تشيلسى فى عام 2013، عثر علماء الآثار على جثث مقطعة الأوصال ومدفونة فى مواقع منفصلة، يعتقد أن هذه الإجراءات كانت تُتخذ لضمان عدم عودة الجثث للحياة.
بولندا
فى قرية بيتسكى فى عام 2014، تم اكتشاف مقابر تحتوى على هياكل عظمية لأشخاص مدفونين بطريقة غير تقليدية، وجدت الجثث مع قطع من الحديد أو أحجار وضعت فوق الرقبة أو الصدر، مما يشير إلى أنهم كانوا يُعتبرون مصاصى دماء.
بلغاريا
فى قرية سوينجارين فى عام 2012، اكتُشفت مقابر تعود للعصور الوسطى تحتوى على جثث مثقوبة بأوتاد خشبية فى منطقة القلب، يعتقد العلماء أن هذه الأوتاد وُضعت لمنع الجثث من العودة للحياة.
اليونان
فى جزيرة إزمير فى 1982، تم العثور على مقابر تحتوى على هياكل عظمية لأشخاص دفنوا مع فتح الفم ووضع حجارة كبيرة داخله، يُعتقد أن هذه الطريقة كانت تهدف إلى منع الجثث من عض الأحياء.
بولندا
اكتشف علماء الآثار مقبرة «مصاصى دماء» فى مجمع كاتدرائية كنيسة ميلاد السيدة العذراء مريم، بقايا هياكل عظمية لطفلين، حيث تمت إزالة الجمجمة عمدًا ووضعها مقلوبة، وتم وضع حجارة ثقيلة على الجسم.
من المرجح أن هذه التدابير كانت تهدف إلى منع المتوفى من العودة إلى الحياة كشخص حى، وهو مصطلح يستخدم فى مختلف الفولكلور الأوروبى لوصف الجثث المعاد إحياؤها، وكان المصابون بحالة العودة إلى الحياة فى العموم ضحايا انتحار أو سحرة أو جثث مسكونة بروح شريرة أو ضحايا لهجوم مصاص دماء.
كما عثر علماء الآثار على هيكل عظمى لـ«امرأة مصاصة دماء» فى مقبرة تعود للقرن السابع عشر فى قرية باين البولندية، دفنت فيها امرأة ومنجل يضغط على رقبتها، وهى طريقة لضمان أنها ستقطع رأسها إذا حاولت النهوض من بين الأموات.
عُثَّر علماء الآثار فى بولندا، على«قبر مصاصى الدماء الجماعى»، حيث وجدوا جماجمهم مقطوعة استقرت بين أرجلهم، وعملات معدنية فى أفواههم، إذ تم بذل كل جهد لمنع هؤلاء الذى يبلغ عددهم 450 من النهوض من قبورهم.