نقاش حول الذكاء الاصطناعى والترجمة بالأعلى للثقافة
أقام المجلس الأعلى للثقافة، تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلانى، وزيرة الثقافة. وبأمانة الدكتور هشام عزمى، ندوة بعنوان: (الذكاء الاصطناعى والترجمة)، ونظمتها لجنة الترجمة وأدارها مقررها الدكتور حسين محمود، بالتعاون مع لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية ومقررها الدكتور محمد خليف، وتحدث كل من: الدكتور سيد رشاد؛ الأستاذ المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا جامعة القاهرة وعضو لجنة الترجمة، والدكتور مصطفى رياض؛ الأستاذ بقسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب جامعة عين شمس وعضو لجنة الترجمة، والمهندس محمد عزام استشارى التحول الرقمى وعضو لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية.
تحدث الدكتور حسين محمود موضحًا عدة مفاهيم رئيسية، تخص تعريف الذكاء الاصطناعى، والشبكات العصبية، ومعالجة اللغات الطبيعية، والنماذج اللغوية الكبيرة، والتعلم العميق، وصولًا إلى المحول التوليدى المدرب مسبقًا (GPT) وهو يمثل بناء لشبكة عصبية متطورة يتم استخدامها فى تدريب نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، ويستخدم كميات كبيرة من نصوص الإنترنت المتاحة للجمهور.
وتابع مؤكدًا أنه بات ممكنًا الاستفادة من الآلات فى مساعدة دون أى تدخل بشري فعلى، كما صارت تمتلك القدرة على فهم الكلام، وكذلك فهم وتحليل الوثائق، وأشار إلى أن أنظمة الكمبيوتر مصممة لتقليد الخلايا العصبية فى الدماغ، وأوضح استخدام بيانات العينة لتدريب برامج الكمبيوتر على التعرف على الأنماط بناءً على الخوارزميات، وتابع مشيرًا إلى عدة اختلافات مهمة بين الذكاء البشرى والاصطناعى؛ حيث يكمن أولهم فى القدرة على تعلم مفاهيم وأفكار جديدة تكون مستمدة من عدد صغير من العينات وأحيانا من عينة واحدة. وتعرف هذه القدرة باسم التعلم من أول لقطة والتى يتفوق من خلالها العقل البشرى على الإلكترونى، الذى قد يتطلب الأمر ملايين أو مليارات العينات لكى تتم عملية التعلم بمستوى يتجاوز متوسط الذكاء البشرى، ما يجعل متوسط ذكاء الإنسان أكثر كفاءة فى التعلم من أنظمة الذكاء الاصطناعى.
أما ثانى الاختلافات فيختص بالخيال والاسترجاع، أو القدرة على تكوين الأفكار والأحاسيس العقلية ومفاهيم الظواهر غير المائلة للعين أو غير الموجودة، والتى تُشكل عنصرًا مهمًا فى اعتبار الإنسان إنسانًا، وفيما يخص الذكاء الاصطناعى يقابل هذا القدرة على تلاوة أو استدعاء المعلومات كما تم تقديمها أو توليد مزيج جديد من المعلومات، التى يشير إليها البعض على أنها خيال، ولكن من الأفضل وصفها بأنه استدعاء مصنوع، أو القدرة على تلقى المعلومات ودمجها بسرعة من جميع حواسنا واستخدام هذا التصور لاتخاذ القرارات الإنسان العادى قادر على دمج المدخلات متعددة الوسائط وإنشاء مخرجات متعددة الوسائط؛ فيما لا تمتلك معظم انظمة الذكاء الاصطناعى قدرة التعلم متعدد الوسائط، ومع ذلك فإن المحولات المستقلة قادرة على تلقى مدخلات من أنواع متعددة المصادر لاتخاذ القرارات الخاصة بتصفح المواقع.
كما أوضح أن أبرز القيود والعيوب المحتملة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعى والترجمة يتمثل فى تحيز البيانات؛ حيث يتم تدريب النماذج اللغوية على كميات كبيرة من البيانات النصية، والتى قد تحتوى على تحيزات تعكس المعايير والقيم المجتمعية للثقافة التى تم جمع البيانات فيها، علاوة على التأثير البيئى؛ حيث يتطلب تدريب نماذج اللغات الكبيرة موارد حسابية كبيرة، والتى بدورها يمكن أن تؤدى إلى استهلاك كبير للطاقة والمياه وانبعاثات الكربون.
وأشار إلى فكرة التعميم المحدود فى حين أن النماذج اللغوية الكبيرة يمكن أن تؤدي أداءً جيدًا فى مهام لغوية محددة، إلا أنها قد تواجه صعوبة فى التعميم على البيانات الجديدة أو غير المرئية. يمكن أن يشكل هذا تحديًا فى تطبيقات العالم الحقيقى حيث يحتاج النموذج إلى العمل في بيئة ديناميكية ومتطورة مع توزيعات البيانات المتغيرة.
وفى مختتم حديثه أشار إلى بعض المخاوف الأخلاقية المصاحبة لاقتحام تطبيقات الذكاء الاصطناعى لمجال الترجمة؛ حيث أصبح من المحتمل أن تُستخدم نماذج اللغات الكبيرة لأغراض ضارة، مثل توليد أخبار مزيفة، أو انتحال صفة أفراد، أو حتى استخدامها في هجمات إلكترونية معقدة. هناك أيضًا مخاوف بشأن الخصوصية وأمن البيانات عند استخدام نماذج اللغة التي تولد معلومات حساسة أو تعالجها.
كما أنه هناك اتجاه مهم يتمثل فى طلب العملاء المتزايد على الحلول الشاملة التى تدمج إنشاء المحتوى والكتابة والترجمة وتحسين محركات البحث والتحرير. وبطبيعة الحال سيقدم المترجمون الذين يمكنهم تقديم هذه الخدمات متعددة الأوجه قيمة هائلة، وذلك بواسطة عملهم بشكل فردى أو من خلال التعاون مع الزملاء، فى عالم رقمى يزداد كل لحظة تعقيدًا.
ثم تحدث الدكتور سيد رشاد متسائلًا ما المقصود بالذكاء الاصطناعى وما أهم تطبيقاته؟ وهل يشكل الذكاء الاصطناعى خطرًا على الترجمة والمترجمين؟ وكيف نواكب هذا التغيير المتسارع الوتيرة؟ وما هى السبل التى على المترجم أن يسلكها لتبوء مكانته فى ظل سيطرة تقنيات الذكاء الاصطناعى؟
ثم تابع مشيرًا إلى عدة اصطلاحات تقنية توضح مراحل عملية الترجمة الإلكترونية بواسطة تطبيقات الذكاء الاصطناعى، مثل معالجة اللغات الطبيعية اللغات البشرية)، وكذلك تقنيات مثل القراءة الآلية للنصوص، وتمييز الكلام، وفهم الأسئلة وإجابتها، والترجمة الآلية، والتشخيص الآلى للنصوص، وتنقيح النصوص؛ حيث أن مراحل فهم اللغات الطبيعية، تتكون من عدة مراحل بدورها مثل: مرحلة المدخلات وتليها مرحلة التحليل الصرفى “Morphology”، ثم يتم تحليل كل كلمة إلى أجزائها، وتحليل التركيب “Syntax”، ثم يتم تحويل الجملة أو سلاسل الكلمات إلى تراكيب معينة تبين ترابط الكلمات ببعضها، وبعد ذلك تأتى مرحلة تحليل الدلالة “Symantecs، ثم يتم تحويل المدخلات إلى تمثيل داخلى يحتفظ بالمعنى، وصولًا إلى مرحلة تحليل الخطاب “Discourse”، وفهم وإحالة الروابط والضمائر بين الجمل، وتحليل القصد “Pragmatics، والتحليل الصرفى لكى يتم تفسير ما يُقصد مما قيل.
وفى مختتم كلمته طرح مزاعم البعض التى تقول أن الذكاء الاصطناعى لا يشكل خطورة على الترجمة والمترجمين، مؤكدًا أنه يمكن توظيف الذكاء لاصطناعى لخدمة الترجمة والمترجمي، واصفًا ذلك بتسليح المترجمين بأدوات ومهارات العصر؛ حيث تتبنى الشركات العملاقة مثل “جوجل” و”مايكروسوفت” مشروعات ترجمة عالمية، علاوة على مشاركة المترجمين أنفسهم فى تطوير مدخلات تطبيقات الذكاء الاصطناعى، ويضاف على ذلك تدريس الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته فى معالجة اللغات والترجمة لطلاب أقسام اللغات بالجامعات.
فيما أوضح المهندس محمد عزام أن العالم بات فى مرحلة ما بعد الذكاء الاصطناعى، مما يتطلب بدوره البحث عن طرق مبتكرة تتناسب مع تأثير التكنولوجيا وتطبيقاتها الحديثة التى ساهمت فى ظهور وتطور مختلف التقنيات الجديدة؛ حيث أن انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعى صار يهدد الوظائف بشركات التكنولوجيا على المستوى العالمى، وهو أمر ساهم فى تغيير تطبيقات التكنولوجيا لسوق العمل، مما جعل من التعلم المستمر واستكشاف أحدث التقنيات وإجادتها أمر لا مفر منه بشكلٍ عام على صعيد مختلف المهن، وخاصة موضوع النقاش الذى يتعلق بالترجمة وتقنيات الذكاء الاصطناعى، فيجب على المترجمين إجادة تلك التطبيقات الحديثة الخاصة بالترجمة والتمكن من استخدامها باتقان والذى سينعكس بدوره مباشرة على رفع أسهمهم فى سوق العمل.