متغيرات كبيرة على الساحة الإقليمية والدولية، يتزامن معها تشكيل الحكومة المصرية الجديدة، والتي ترتبط في جزء كبير منها بمواصلة وتيرة التنمية، بينما في جزء آخر بالمستجدات العالمية الأخرى، في ضوء الحاجة الملحة إلى مواجهة ما يطرأ من أزمات كبيرة، لا يمكن الانفصال عنها، في ظل تداعياتها الكبيرة على حياة ملايين البشر، وهو ما يبدو في العديد من القوى الدولية الكبرى، سواء في أوروبا والولايات المتحدة، والتي باتت تعاني جراء موجات عاتية من التضخم، والغلاء، ناهيك أزمات ضربت قطاعات حيوية، على غرار الغذاء والطاقة، ليصبح المشهد الداخلي، مرتبطا بصورة مباشرة وأكثر من أي وقت مضى بالأحداث العالمية، وهو الأمر الذي بات مختلفا هو الآخر، في ضوء عدم ارتباطه بالجغرافيا التقليدية، وهو ما يبدو في تداعيات المستجدات بالشرق الأوسط، وخاصة العدوان على غزة، على الاقتصاد في دول الغرب.
مع الحديث عن التشكيل الحكومي الجديد وتزامنه مع الأوضاع العالمية، يتبادر إلى الذهن وزارة الخارجية، والتي تمثل رأس الحربة في التعامل مع المستجدات، في مختلف الدوائر الدبلوماسية التي تعتمدها الدولة المصرية، وبالتالي تحمل على عاتقها العبء الأكبر في هذا الإطار، في ضوء ثوابت عدة، أرستها الجمهورية الجديدة، منذ عقد من الزمان، يقوم في الأساس على تعزيز الحالة الإقليمية، مع الانطلاق نحو التعاون مع القوى المؤثرة في مختلف أقاليم العالم، تزامنا مع تبني نهجا قائما على التوازن الدولي، في ضوء حالة من التعددية، في إطار التحالفات التي تتبناها الدولة، وهو ما يبدو في الاحتفاظ بوتيرة العلاقات مع القوى الكبرى، على أساس المصالح المشتركة، والتعاون، سواء فيما يتعلق بالعلاقة مع أمريكا، أو الاتحاد الأوروبي، أو الصين أو روسيا.
ولعل التغيير الكبير في طبيعة المرحلة الدولية الراهنة، مع المستجدات الإقليمية الكبيرة، في ضوء الحرب على غزة، تكشف بجلاء ثقل المهمة الملقاة على عاتق وزير الخارجية الجديد، السفير بدر عبد العاطي، والذي شغل العديد من المناص، آخرها سفير مصر في العاصمة البلجيكية بروكسيل، وفي الوقت نفسه هي مقر الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى خدمته في ألمانيا كسفير، وكذلك توليه لملف الشؤون الأوروبية خلال فترات خدمته الدبلوماسية.
قدرات الوزير عبد العاطي الدبلوماسية تجلت بوضوح في العديد من المشاهد، ربما أبرزها خلال خدمته في ألمانيا، بين عامي 2015، و2019، وهي الفترة التي شهدت، ليس فقط طفرة كبيرة في العلاقات بين البلدين، وإنما تحولا ملموسا، في ضوء التغيير الكبير في موقف برلين، تجاه مصر، بعد ثورة 30 يونيو، وهو ما يعكس نجاعة كبيرة في نقل الصورة الحقيقية للأوضاع في مصر، بينما شهدت فترة خدمته في بروكسيل طفرة كبيرة في العلاقة مع بلجيكا، ظهرت بوضوح خلال أزمة غزة، عبر موقف داعم لفلسطين، أعلن عنه رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، من معبر رفح حول مناقشة قضية الاعتراف بدولة فلسطين داخل أروقة الحكومة، وهو ما يمثل انتصارا كبيرا للقضية.
العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه، شهدت انطلاقة كبيرة، خلال خدمة عبد العاطي في بروكسيل، وهو ما بدا في أحدث صوره في مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، والذي شهد توقيع اتفاقات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وهو ما يعكس نجاعة العمل داخل السفارة المصرية وقدرتها على الترويج للفرص الاستثمارية بمصر، رغم تحديات دولية وإقليمية كبيرة.
اختيار عبد العاطي، في منصب وزير الخارجية، من جانب آخر، يمثل أحد أهم أبعاد المنهج التعددي، الذي تتبناه الدولة المصرية منذ ميلاد الجمهورية الجديدة، حيث لم تعد دائرة الاختيار قاصرة، على السفراء المتواجدين في مواقع بعينها، دون غيرها، وإنما باتت ممتدة، بحسب حالة الزخم التي تشهده العلاقات المصرية مع مختلف مناطق العالم، بالإضافة إلى أولويات أجندة السياسة الخارجية المصرية، وهو ما يعكس قدرا كبيرا من حرية الحركة التي تشهدها الدولة المصرية، وانعكاس صريح لأولوياتها، سواء من حيث الكفاءة، أو الخبرات المطلوبة.
خبرات عبد العاطي، لا تقتصر على الدائرة الأوروبية، وإنما يحمل في جعبته الكثير عن قضايا الإقليم، وفي القلب منه القضية الفلسطينية، حيث كان مسؤولا عن ملفي الشؤون الأفريقية وعملية السلام في الشرق الأوسط بين 2001 و2003، كما سبق له العمل في مكتب نائب مساعد وزير الخارجية للتعاون الاقتصادي الإقليمي بالشرق الأوسط، وهو ما يعكس خبرات كبيرة في هذا الإطار.