ركزت الحكومة المصرية كافة جهودها خلال السنوات الماضية وخاصة في العامين الماضيين على جذب الاستثمار وخلق فرص للشراكات الاستثمارية التي تحقق المصلحة المشتركة لجميع الأطراف؛ إذ تعد مصر واحدة من الوجهات الواعدة للاستثمار الخاص المحلي أو الأجنبي.
ورصدت التقارير الاقتصادية مواصلة الحكومة المصرية جهودها لتحقيق التنمية وجذب الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، رغم التحديات والتغيرات الدولية الاقتصادية والجيوسياسية الغير مسبوقة التي عصفت ولا تزال باقتصاديات الدول الناشئة.
ونجحت الدولة في تنفيذ المرحلة الأولى من البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في نوفمبر 2016 ، الذي شمل اعتماد العديد من الإصلاحات واتخاذ تدابير حافزة لتهيئة بيئة عمل مناسبة وتمهيد الطريق لمشاركة القطاع الخاص في تنفيذ وإدارة مشروعات البنية التحتية للمساهمة في تطوير الاقتصاد وخلق فرص عمل لائقة وإنتاجية.
عشرات الاصلاحات التشريعية
ونفذت الدولة العديد من الإصلاحات التشريعية والمؤسسية التي تدعم بيئة الاستثمار، لتبسيط إجراءات إنشاء المشروعات وتشجيع القطاع الخاص والاستثمارات المحلية والأجنبية، بالإضافة إلى العمل على إعداد البنية التحتية وتحسين جودتها كإحدى الركائز الرئيسية لجهود الدولة لتحفيز القطاع الخاص، وتحسين بيئة الأعمال المصرية.
وتعد مشروعات شبكة الطرق، وتنمية قناة السويس، التي تعد مركزا لوجستيا وصناعيا عالميا، ومشروعات إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، مثل مشروع بنبان بالشراكة مع القطاع الخاص، وإنشاء مدن ذكية جديدة (23) مدينة، منها إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة، من أهم جهود دعم بيئة الأعمال وتعزيز دور القطاع الخاص كإحدى الركائز الرئيسية للبرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية والذي يهدف إلى تنويع الهيكل الإنتاجي من خلال التركيز على قطاعات الاقتصاد الحقيقي، وهي الزراعة والصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما يتضمن البرنامج ركيزة رئيسية تعني بتعزيز بيئة الأعمال ودور القطاع الخاص.
وسجل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر نتيجة زيادة رأسمال الشركات الحالية 1.2 مليار دولار خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2022 مقارنة بالهدف البالغ 875 مليون دولار، كما أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر نتيجة تأسيس شركات جديدة سجل 90.4 مليون دولار خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2022 مقارنة بالهدف البالغ 66.25 مليون دولار، كما وصلت طلبات الاستثمار للفرص المتاحة إلى 42 طلبا خلال الفترة من يناير إلى مارس 2023 مقارنة بالهدف البالغ 40 طلبا، وتم تسجيل نمو ملحوظ في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الصافي بنسبة 451.3% في الربع الثاني من العام المالي 2023/2022
تسعى الدولة لتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية لتقوم بدورها في النشاط الاقتصادي، إذ تعتبر الاستثمارات محركاً أساسياً للتنمية الاقتصادية، وفي ظل فجوة المدخرات التي تعاني منها معظم الاقتصادات النامية والناشئة بما فيها مصر، فإن جذب الاستثمار الأجنبي المباشر لسد هذه الفجوة هو ما تسعى إليه الحكومة لدفع عجلة التنمية.
ومن أمثلة الجهود التي تبذلها الحكومة المصرية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر إصدار قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 وقوانين أخرى مثل قانون الضرائب الموحد وقانون الجمارك، وتعديل قانون المحاكم الاقتصادية وغيرها من القوانين التي تساعد في جذب الاستثمار.
وفي السنوات الخمس الأخيرة، اهتمت مصر بالاستثمار؛ وذلك لتحسن بيئة الاستثمار وتقليص العوائق التي كانت تقف في وجهه خاصة بعد تداعيات أحداث عام 2011 والاضطرابات السياسية اللاحقة التي حدثت في مصر حتى عام 2014 التي تم خلالها رفع العديد من قضايا التحكيم ضد الدولة المصرية، مما جعل الحكومة تسعى إلى اتخاذ خطوات لإعادة مصر كوجهة استثمارية آمنة، ففي عام 2015 أدخلت الحكومة المصرية.
تعديلات جوهرية على قانون الاستثمار رقم 8 لسنة 1997 وكان الغرض من هذه التعديلات جذب استثمارات جديدة إلى مصر من خلال حوافز أكثر وضمانات أقوى للمستثمرين، إلى جانب تبسيط العقبات والإجراءات الإدارية التي كانت تواجههم.
هذا بخلاف المجلس الأعلى للاستثمار وقراراته المتعلقة بمعالجة العقبات التي تواجه إنشاء الشركات الجديدة بالإضافة إلى وثيقة سياسة ملكية الدولة التي توضح للمستثمرين دور الدولة في مختلف القطاعات كرقيب للنشاط الاقتصادي وفقا للآليات السوقية، وكيف يمكن للدولة التخارج من الأنشطة التي سيتولى القطاع الخاص دورا رئيسيا فيها، كذلك برنامج الطروحات الذي يهدف إلى تنويع قاعدة الملكية وتنشيط الأسواق المالية من خلال طرح حصص في الشركات التابعة للحكومة للمستثمرين المحليين والدوليين، وأيضا الرخصة الذهبية التي تمنحها الدولة لإقامة المشروعات وتشغيلها وإداراتها في مدة لا تتعدى 20 يوم عمل.
الاستثمار الأجنبي المباشر قوة دفع للاقتصاد
تتمثل أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر في إعطاء قوة دفع للاقتصاد المحلي بتحسين قدرته على التفاعل مع الاقتصاد العالمي والمشاركة في العملية الإنتاجية الدولية، بحيث يكون هذا الاستثمار جزءا أساسيًا من الرافعة التي تنقل الاقتصاد إلى اقتصاد أكثر كفاءة مرتبط بالاقتصاد العالمي ومساهم في العملية الإنتاجية الدولية، كما أن معظم دول العالم تتنافس وتبحث عن فرص استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر لإسهامه الحقيقي في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متمثلة في تأثيره على النمو الاقتصادي، كما يمكن أن يسهم بشكل مباشر وغير مباشر في بناء القدرات الوطنية من خلال إدخال التقنية الحديثة وفتح فرص عمل جديدة أمام مواطني البلد المضيف للاستثمار، وتوفير فرص التدريب لهم بالإضافة إلى نقل المعرفة الفنية والإدارية. بجانب استقرار معدل النمو للاقتصاد المضيف أن تتوفر عوامل أخرى هامة وهي تكلفة عوامل الإنتاج والموارد، إذ يتجه المستثمر الأجنبي نحو الدولة التي تتوفر بها عوامل انتاج رخيصة نسبيا. تعد البنية التحتية أحد المتطلبات الأساسية للاستثمار، تسعى الحكومة لتوفير بنية تحتية متكاملة، كونها عامل جذب أساسي للتدفقات الأجنبية المباشرة.
وبجانب العمل على توفير بنية تحتية جاذبة، تعد برامج الإصلاح الاقتصاد التي نفذتها مصر في السنوات الأخيرة ووضعتها على الاتجاه الصحيح أحد أهم المحددات الخاصة بجذب التدفقات الاستثمارية وإن لم يكن بشكل مباشر، إلا انها انعكست على التحسن النسبي الذي شهدته مؤشرات الحوكمة والاقتصاد، وارتفع التصنيف الائتماني لمصر وحول خصائص بيئة الأعمال والاستثمار في مصر؛ فمصر تمتلك سمات استثمارية إيجابية متنوعة، أهمها توفر سوق داخلية كبيرة تضم 105 ملايين مستهلك، بالإضافة إلى الوصول المفضل إلى الأسواق الإقليمية والدولية التي تشمل أكثر من 1.5 مليار مستهلك من خلال الاتفاقيات التجارية المبرمة بين مصر وشركاء تجاريين رئيسيين وكتل اقتصادية إقليمية ودولية، ومن المتوقع أن تكون مصر واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة خلال العشر سنوات القادمة. وفقا لتقرير الاستثمار العالمي 2023 الصادر عن (UNCTAD) ، حققت مصر المركز الأول في القارة الإفريقية من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث ارتفعت إلى 11.4 مليار دولار في عام 2022 عام 2022 مقارنة بـ 5.12 مليار دولار في عام 2021، محققة معدل تمثل 25% من الإجمالي في أفريقيا في نمو ملحوظ بنسبة 122%.
وبالإضافة إلى ذلك، حلت مصر في المرتبة الثانية في القارة الإفريقية من حيث مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2022 بقيمة 148.9 مليار دولار (تمثل (14.1% من إجمالي مخزون الاستثمار الأجنبي الذي تلقته القارة في عام 2022، وبالإضافة إلى ذلك، حلت مصر في المركز الثاني في المنطقة العربية بعد الإمارات العربية المتحدة من حيث تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر.
تعد الاستثمارات الأجنبية المباشرة مصدرًا لتعويض العجز في الادخار المحلي، وتحقيق زيادة في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، فأحد الأهداف الرئيسية لاستقطاب رأس المال الأجنبي هو إقامة مشروعات إنتاجية في كافة المجالات الصناعية والزراعية والخدمية التي تهدف إلى إنتاج سلع وخدمات ذات ميزة تنافسية للتصدير وتكون مؤهلة للقبول بالأسواق العالمية، كما أن توفر رأس المال يسمح بالتوسع في الإنتاج وتنوع المنتج وتحسين جودته.
الأولوية في جذب الاستثمارات يجب أن تستهدف تحقيق أثر إيجابي على القطاعات الاقتصادية واستدامتها، فالاستثمار الأجنبي المباشر ليس هدفاً في حد ذاته وإنما وسيلة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، إذ يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر أحد الأدوات المالية التي يتم من خلالها قيام مشروعات تنموية قادرة على جذب عدد كبير من العمالة والمهارات. وعليه من الضروري الوقوف على أهم المحددات والدوافع الاقتصادية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر.