
في خطوة تشريعية وصفت بأنها الأهم منذ سنوات في ملف الضرائب، نجحت الحكومة المصرية في تسوية آلاف المنازعات الضريبية المعلقة، بعد إدخال حزمة من التعديلات التشريعية التي أعادت صياغة العلاقة بين الممول ومصلحة الضرائب على أسس أكثر عدالة وشفافية هذه التعديلات، التي جاءت استجابة لمطالب مجتمعية واقتصادية ممتدة، ساهمت في تحفيز الاستقرار المالي، وتحقيق طفرة في معدلات التسوية خارج أروقة المحاكم.
تعديلات تشريعية فاصلة
نقطة التحول الأساسية كانت تعديل بعض مواد قانون الضريبة على الدخل، وإدخال آليات جديدة في قانون إنهاء المنازعات الضريبية. فقد تم توسيع صلاحيات لجان التصالح، مع منحها مرونة أكبر في تسوية القضايا المتراكمة، والتي بلغ عددها – وفقًا لتقارير رسمية – أكثر من 60 ألف نزاع ضريبي خلال السنوات الماضية.
كما تم تقنين مدة محددة لإنهاء النزاعات، وربط ذلك بتحفيزات مالية للممولين، منها خفض قيمة الغرامات والجزاءات حال الالتزام بالتسوية الودية، وهو ما شجع عددًا كبيرًا من الشركات والممولين الأفراد على إنهاء ملفاتهم العالقة.
أثر اقتصادي مباشر
خبراء الضرائب والاقتصاد أكدوا أن تلك التعديلات أسفرت عن تحصيل مليارات الجنيهات كانت مهددة بالتعثر أو الضياع، كما أسهمت في تخفيف الضغط عن المحاكم الاقتصادية ومجالس الدولة التي كانت تعاني من تكدس آلاف القضايا الضريبية.
وبحسب تصريحات مصادر مطلعة بمصلحة الضرائب، فقد تم بالفعل تسوية أكثر من 35 ألف حالة نزاع خلال الشهور الستة الماضية، في حين ما تزال آلاف الحالات قيد الدراسة، وسط توقعات بتسوية ما يزيد عن 80% من المنازعات القائمة بحلول نهاية العام الحالي.
تحسين مناخ الاستثمار
من جهته، قال الدكتور خالد عبد العال، أستاذ التشريعات الاقتصادية بجامعة القاهرة، إن الأثر الأوسع لهذه التعديلات يتمثل في تحسين مناخ الاستثمار، موضحًا أن “ثقة المستثمر ترتبط بوجود نظام ضريبي عادل، وتسوية المنازعات بسرعة وشفافية. ما تم إنجازه يعزز الجاذبية الاستثمارية لمصر”.
وفي السياق ذاته، أشار اتحاد الصناعات المصرية إلى أن التعديلات الأخيرة أزالت حالة التوتر والقلق التي كانت تعتري قطاعات الأعمال، خاصةً الصغيرة والمتوسطة، والتي عانت طويلاً من تبعات النزاعات الضريبية الطويلة والمعقدة.
نقلة تشريعية وعدالة ضريبية
لا شك أن ما تحقق من تسويات ضريبية خلال الفترة الأخيرة يعكس نقلة نوعية في الفكر التشريعي المصري، الذي أصبح أكثر اتساقًا مع متغيرات العصر، وأكثر وعيًا بأهمية تحقيق العدالة الضريبية، لا العقاب الضريبي.
وإذا استمرت الدولة على هذا النهج الإصلاحي، فإن ذلك سيمثل نقطة انطلاق نحو بناء منظومة ضريبية حديثة، توازن بين حقوق الدولة وحقوق الممولين، وتؤسس لعلاقة قائمة على الشراكة والثقة، لا النزاع والصدام.