زيارة هامة يجريها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الأردن، للقاء الملك عبد الله الثاني، في لحظة تبدو فارقة، ليس فقط في إطار العدوان على قطاع غزة، وإنما في تاريخ القضية الفلسطينية، وذلك إذا ما وضعنا في الاعتبار عامل التوقيت، حيث تأتي بعد أيام قليلة من قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، وهو ما يمثل انتصارا مهما، بين حزمة من الانتصارات الأخرى التي تحققت على مدار الأشهر الماضية، تجسدت في تغيير صريح في المواقف الدولية، خاصة في دول المعسكر الغربي، والمعروف بانحيازه للاحتلال الإسرائيلي، والحديث المتواتر داخل دوائر الغرب الأوروبي، حول ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى الأحكام التاريخية الصادرة من قبل محكمة العدل الدولية والتي كشفت الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في غزة خلال الأشهر الماضية.
والحديث عن “ثنائية” مصر والأردن، تحمل في طياتها العديد من الأبعاد، ربما أبرزها أنهما كانا بمثابة نقطة الانطلاق للعديد من الشراكات التي أبرمت في العقد الماضي، والتي شهدت توسعا كبيرا، على غرار الشراكة التي جمعتهما مع العراق، والتي ولد من رحمها مؤتمر بغداد، والذي ساهم بصورة كبيرة في تحريك المياه الراكدة بين العديد من الخصوم الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط، لتفرز بعد ذلك حزمة من المصالحات، من شأنها بناء حالة من الاستقرار الإقليمي، إلا أن ارتباطهما بفلسطين، يمثل البعد الأكثر حيوية، في ضوء الدور الكبير الذي تلعبه الدولتان في خدمة القضية، وهو الأمر الذي لا يقتصر في جوهره على المرحلة الراهنة، والمرتبطة بالعدوان الغاشم على غزة، وإنما تمتد إلى عقود طويلة سابقة.
فالدولة المصرية تعد اللاعب الإقليمي الأكبر في القضية الفلسطينية، منذ اندلاع الصراع، وساهمت خلال مراحل طويلة في تقديم الدعم السياسي لها، في مواجهة الاحتلال، بينما يبقى الأردن مسؤولا عن المقدسات الدينية في القدس، حيث تعود الرعاية الهاشمية لها، إلى قرن كامل من الزمان، بعدما بويع الأمير عبد الله الأول، في عام 1924، للوصاية على المدينة المقدسة، وهو ما يمثل حالة من التكامل في الأدوار، خاصة وأن القضية الفلسطينية ترتبط ارتباطا وثيقا بالقدس، وهو ما يبدو في الصياغة الشرعية لحل الدولتين، والتي تقوم في الأساس على قيام الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية.
ولعل “ثنائية” مصر والأردن، برزت بصورة كبيرة منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة، في أكتوبر الماضي، حيث حرص الرئيس السيسي على التنسيق مع العاهل الأردني، في كافة المراحل، بدءً من قمة القاهرة للسلام، والتي استبقتها قمة مصرية أردنية في 19 أكتوبر، وذلك بعد إلغاء قمة عمان، والتي كانت من المقرر أن تجمع بين الرئيس السيسي والملك عبد الله الثاني، والرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، على خلفية القصف الإسرائيلي للمستشفى المعمداني، بينما تكررت اللقاءات مرارا وتكرارا للتنسيق والخروج بالعديد من المواقف الموحدة، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في الوصول إلى توافقات إقليمية واسعة النطاق، تجاه العديد من القضايا المرتبطة بالعدوان على غزة.
المواقف المصرية الأردنية، ساهمت بصورة كبيرة في حشد الإقليم، تجاه رفض المخططات الإسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة، والتي تهدف في الأساس إلى تصفية القضية الفلسطينية، بينما لعبا الدور الأبرز في تحويل العدوان الغاشم على غزة، إلى فرصة لإحياء حل الدولتين، عبر تحقيق حالة من الإجماع الإقليمي، في هذا الإطار، مقابل توافق دولي واسع المدى، ربما تجلت ثماره بوضوح، في العديد من المشاهد، ربما أبرزها حديث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن ضرورة تأسيس دولة فلسطينية كضمانة حقيقية لتحقيق الاستقرار المستدام، ناهيك عن تعهدات رئيس الوزراء الأسباني بيدرو سانشيز، ونظيره البلجيكي ألكسندر دي كرو، عن نية بلادهما الاعتراف بفلسطين، لتصبح مسألة الاعتراف بالدولة المنشودة محل اهتمام دولي.
ويعد الحديث عن الدولة الفلسطينية المستقلة، مرتبطا بالعديد من القضايا الأخرى، ربما أبرزها حماية الأراضى الفلسطينية من الدعوات التي أطلقها الاحتلال حول فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية أو إعادة احتلاله، أو نشر قوات عربية أو متعددة الجنسيات على أراضيه، بالإضافة إلى رفضهما لأي اجتياح لمدينة رفح من قبل القوات الإسرائيلية، ناهيك عن موقفهما الموحد تجاه الداخل الفلسطيني عبر التركيز على ضرورة انهاء الانقسام، وتوحيد الفصائل تحت مظلة منظمة التحرير، وهو الأمر الذي يقدم قيادة موحدة للدولة المنشودة، من شأنها التعبير عنها أمام العالم.
التنسيق بين القاهرة وعمان، فيما يتعلق بالعدوان على غزة، لا يقتصر بأي حال من الأحوال، على البعد السياسي، وإنما امتد إلى الجانب الإنساني، حيث كان تمرير المساعدات الإنسانية إلى غزة، بمثابة أولوية قصوى للجانب المصري، منذ اليوم الأول للعدوان، بينما لعبت الأردن دورا داعما في هذا الإطار، عبر تقديم المساعدات من جانب، والتنسيق فيما يتعلق بعمليات الإنزال الجوي من جانب آخر، والضغط على المجتمع الدولي لإجبار إسرائيل على تمرير المساعدات لسكان القطاع من جانب ثالث.