تداول نشطاء موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» صوراً وفيديوهات لأعمال سحر تم استخراجها أثناء تنظيف جبل عرفات، بعد انتهاء مناسك الحج في ثالث أيام التشريق رابع أيام عيد الأضحى.
عرض هذا المنشور على Instagram
وتصدرت تريند السوشيال ميديا خلال الساعات الماضية، صورٌ ومقاطع فيديو، لأعمال وسحر على جبل عرفات، واكتشف المسئولون عن تنظيف جبل عرفات عقب انتهاء موسم الحج، بعضًا من الطلاسم والأعمال في أكياس غريبة الهيئة، الأمر الذي استنكره الكثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكشفت الفيديوهات المنشورة عبر صفحات بـ «فيسبوك»، عن وجود أعمال سحر يتم عملها ودفنها في جبل عرفات، حيث ظهر فيه لقطات لعدد من اللفائف التي تم العثور عليها مدفونة بين محتويات تتعلق بأشخاص مجهولين، وعثر على أشياء مثل الشعر ومقتنيات شخصية «تم عمل سحر عليها»، وكذلك كشفت طلاسم مكتوبة بأسماء أشخاص بعينهم بقصد إيذائهم.
أعمال وسحر على جبل عرفات
وعقب أحد المستخدمين، قائلًا: الشباب راحوا ينضفوا جبل عرفة بعد انتهاء الحج لقوا عليه أعمال سحر.. إحنا وصلنا لمرحلة أبلغ الكلام ميعرفش يوصفها.. اللهم إنِّا نشهدك أننا أبرياء من أمثالهم يارب.. ودي أحد الأمثلة.
كما علق أحد المتابعين، قائلا: والدي كان شغال هناك وكانوا بينضفوا مكان رمي الجمرات.. وبـ يقسم بالله أنه كان بيلاقي كم هائل من أعمال السحر هناك وكانوا بيقعدوا يقروا قرآن ويفكوهم واحد واحد.
وأضاف: اعتقادًا منهم أن ده مكان محدش بيشوفه ولا يعرف يوصله فالسحر بيكون أقوى والكلام ده من 20 سنة كمان متخيلين حجم الغل والحقد، ومتابع آخر، قال: والله العظيم ما بقينا عارفين هنوصل لـ أي تاني حسبي الله ونعم الوكيل بجد.
كشف الشيخ أسامة قابيل أحد أئمة وزارة الأوقاف، حقيقة ما تم تداوله خلال الساعات الماضية بشأن وجود أعمال سحر على جبل عرفات، بعد انتهاء ركن الحج الأعظم وهو الوقوف بعرفة.
وقال عبر صفحته على فيسبوك، الخميس:”من مكة المكرمة ومن بيت الله الحرام، وبعد سؤال وتقصي، لا في أعمال ولا في سحر في عرفة ولا في أي مكان في المشاعر المقدسة”.
وتابع قابيل:” من يروجون لذلك لجان إلكترونية مشبوهة وكاذبة تشوه على المسلمين عبادتهم ومقدساتهم، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله”.
واتفق أهل السنة والجماعة على وجود السحر، وأنه حقيقة تؤثر في الأشياء وتؤذي الإنسان، وأن كل ذلك بإذن الله عز وجل، والساحر عمله كفر، لأن الشياطين لا تلبي له ما يريد، إلا بعدما يكفر بالله رب العالمين، وحينها تخدمه ويخدمها.
قالت دار الإفتاء، إن العلماء اختلفوا في أمر السحر هل له حقيقة، أم هو شعوذة وتخييل: فذهب جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة إلى أن السحر له حقيقة وتأثير، وذهب المعتزلة وبعض أهل السنة إلى أن السحر ليس له حقيقة في الواقع، وإنما هو خداع وتمويه وتضليل، وأنه باب من أبواب الشعوذة، وهو عندهم على أنواع: 1- التخييل والخداع. 2- الكهانة والعرافة. 3- النميمة والوشاية والإفساد. 4- الاحتيال.
وأضافت الإفتاء في فتوى لها، أن من المؤيدين لهذا الرأي يقول: إن الساحر والمعزم لو قدرَا على ما يدعيانه من النفع والضرر وأمكنهما الطيران والعلم بالغيوب وأخبار البلدان النائية والخبيئات والسرقات والإضرار بالناس من غير الوجوه التي ذكرت لقدروا على إزالة الممالك واستخراج الكنوز والغلبة على البلدان بقتل الملوك، بحيث لا ينالهم مكروه، ولاستغنوا عن الطلب لما في أيدي الناس، فإذا لم يكن كذلك، وكان المدعون لذلك أسوأ الناس حالًا وأكثرهم طمعًا واحتيالَا وتوصلًا لأخذ دراهم الناس، وأظهرهم فقرًا وإملاقًا، علمت أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك.
أدلة وجود السحر عند جمهور الفقهاء
واستدل الجمهور من العلماء على أن السحر له حقيقة وله تأثير بعدة أدلة منها:
قوله تعالى: «سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ» [الأعراف: 116].
قوله تعالى: «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه» [البقرة: 102].
قوله تعالى: «وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ» [البقرة: 102].
د- وقوله تعالى: «وَمِن شَرِّ النَّفَّٰاثَاتِ فِي الْعُقَدِ» [الفلق: 4].
وأبانت دار الإفتاء، أنه من استعراض الأدلة نرى أن ما ذهب إليه الجمهور أقوى دليلًا، فإن السحر له حقيقة وله تأثير على النفس، فإن إلقاء البغضاء بين الزوجين والتفريق بين المرء وأهله الذي أثبته القرآن الكريم ليس إلا أثرًا من آثار السحر، ولو لم يكن للسحر تأثير لما أمر القرآن بالتعوذ من شر النفاثات في العقد، ولكن كثيرًا ما يكون هذا السحر بالاستعانة بأرواح شيطانية، فنحن نقر بأن له أثرًا وضررًا ولكن أثره وضرره لا يصل إلى الشخص إلا بإذن الله، فهو سبب من الأسباب الظاهرة التي تتوقف على مشيئة مسبب الأسباب رب العالمين جل وعلا.
لفتت دار الإفتاء، إلى أنه ذهب بعض العلماء إلى أن تعلم السحر مباح بدليل تعليم الملائكة السحر للناس كما حكاه القرآن الكريم عنهم، وإلى هذا الرأي ذهب الإمام الفخر الرازي من علماء أهل السنة، وذهب الجمهور إلى حرمة تعلم السحر أو تعليمه؛ لأن القرآن الكريم قد ذكره في معرض الذم وبين أنه كفر، فكيف يكون حلالًا؟ كما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عده من السبع الموبقات في حديثه الشريف.
قال الإمام أبو بكر الجصاص: اتفق السلف على وجوب قتل الساحر، ونص بعضهم على كفره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ مَشَى إِلَى سَاحِرٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ عَرَّافٍ فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» رواه ابن أبي شيبه في “مصنفه”.
واختلف فقهاء الأمصار في حكمه: فروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: الساحر يقتل إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب ولا يقبل قوله: إني أترك السحر وأتوب منه، فإذا أقر أنه ساحر فقد حل دمه، وكذلك العبد المسلم والحر والذمي من أقر منهم أنه ساحر فقد حل دمه، وهذا كله قول الإمام أبي حنيفة.
وروي عن الإمام مالك: في المسلم إذا تولى عمل السحر قتل ولا يستتاب؛ لأن المسلم إذا ارتد باطنًا لم تعرف توبته بإظهاره الإسلام، فأما ساحر أهل الكتاب فإنه لا يقتل عند الإمام مالك إلا أن يضر المسلمين فيقتل.
وقال الإمام الشافعي: لا يكفر بسحره، فإن قتل بسحره وقال: سحري يقتل مثله وتعمدت ذلك قتل قودًا، وإن قال: قد يقتل وقد يخطئ لم يقتل وفيه الدية.
وقال الإمام أحمد: يكفر بسحره قتل به أو لم يقتل، وهل تقبل توبته؟ على روايتين، فأما ساحر أهل الكتاب فإنه لا يقتل إلا أن يضر المسلمين.
واختتمت دار الإفتاء، أن المسلم ذا العقيدة السليمة يعلم تمام العلم أن النافع الضار هو الله، وأنه هو المسخر للكون ببديع حكمته وعظيم قدرته، وأن المسلم المتفقه في دينه والباحث الدارس لا ينفي وجود السحر السابق للأدلة التي وردت في صدر البحث، وأن على المسلم أن يكون قوي الإيمان مستعينًا بالله في الملمات والشدائد، وأن الساحر قد يستطيع إيصال الضر والبلاء والأذى بالناس، وقد يصل بذلك إلى التفريق بين المرء وزوجه، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا إلا بإذن الله تعالى، والمسلم الذي لا يؤمن بالسحر لا يؤثر ذلك في إسلامه، فقد وردت الآراء في حكم السحر.