العالمعاجل

سباق نووي في البحر.. كيف تتجنب الهند وباكستان كارثة في المياه الدولية؟

كتب- محمد فهمي

مع تصاعد المنافسة البحرية بين الهند وباكستان، يشهد المجال النووي البحري في جنوب آسيا تحولًا استراتيجيًا جذب انتباهًا عالميًا.

 

ويستعرض هذا التقرير، مسارات التحديث التي تسلكها البحريتان الهندية والباكستانية، مع تسليط الضوء على عقائدهما الاستراتيجية، وطبيعة أساطيلهما، وشبكة مشاركاتهما الخارجية، وفي ظل هذا التنافس، تتبلور الحاجة إلى استحداث آليات مبتكرة لإدارة الأزمات البحرية.

 

◄كيف يمكن لاتفاقية «INCSEA» أن تحد من المخاطر النووية؟

أشار موقع «ستيمسون» للأبحاث السياسية بواشنطن، إلى أهمية إنشاء اتفاقية جديدة للحوادث البحرية “INCSEA”، وتعزيز قنوات الاتصال في الأوقات الحرجة، وتوسيع نطاق التفاعلات الثنائية ومتعددة الأطراف لمعالجة المخاطر المتزايدة في هذا المسرح النووي البحري الناشئ.

 

يمكن قياس مستوى التحديث البحري من خلال ثلاثة عوامل رئيسية، أولا، العقيدة البحرية، تشكل العقائد أساس النظرة الاستراتيجية لكل من البحريتين، حيث تحدد كيفية استخدام القوات البحرية لتحقيق أهدافها الوطنية، وبالنسبة للهند، يبدو التركيز على الردع المتكامل وحماية المصالح الاقتصادية، بينما تتجه باكستان نحو تطوير قدرة دفاعية قائمة على الردع النووي.

 

ثانيًا، طبيعة الأسطول، ويشير هذا المصطلح إلى التركيبة الفعلية للأسطول البحري من حيث قدراته التكنولوجية وتوزيعه العملياتي، ويلاحظ أن الهند تركز على امتلاك غواصات نووية حاملة للصواريخ، بينما تسعى باكستان لتطوير غواصات تعمل بالدفع التقليدي مع القدرة على حمل صواريخ كروز نووية.

 

ثالثا، التفاعلات الخارجية، وتشمل هذه التفاعلات التدريبات المشتركة والمناورات البحرية مع القوى الإقليمية والعالمية، وتتيح هذه التفاعلات لكل من الهند وباكستان فرصة لاستعراض استراتيجياتهما واختبار كفاءة قواتهما في «سيناريوهات واقعية»، ما يكشف عن نقاط القوة والضعف التي تسترشد بها سياساتهما المستقبلية.

 

في ظل التعقيد المتزايد للمسرح النووي البحري، تتطلب المخاطر المحتملة نهجًا شاملاً للتخفيف منها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال، اتفاقية الحوادث البحرية “INCSEA”، وهي تُعد أداة رئيسية لتقليل خطر الصدامات أو سوء الفهم في البحر.

 

وكذلك تعزيز التواصل أثناء الأزمات، حيث إنه يساعد بناء قنوات اتصال مباشرة وسريعة بين البحريتين في الحد من التصعيد غير الضروري، فضلا عن تعميق التعاون الإقليمي والدولي، ويمكن للمبادرات متعددة الأطراف أن تخلق بيئة تعاونية تساعد في تقليل التوتر وتعزيز الاستقرار.

 

 

◄إعادة تصنيف البحر الأحمر

 

في عام 2009، اعتبرت البحرية الهندية البحر الأحمر منطقة “ذات أهمية ثانوية”، ولكن بحلول عام 2015، أعادت تصنيفه كمنطقة “ذات أهمية أساسية”، أضافت كذلك خليج عمان، وخليج عدن، والمناطق الساحلية للساحل الشرقي لأفريقيا، في المقابل، صنفت البحرية الباكستانية شمال بحر العرب كمسرح نووي أساسي، مع توسع عملياتها لتشمل المحيط الهندي الغربي.

 

بينما تطمح البحرية الهندية إلى تطوير قوة بحرية قادرة على العمل في المياه المفتوحة وتحقيق الهيمنة البحرية، تركز البحرية الباكستانية على منع الوصول وعرقلة العمليات في مناطق محددة، يعكس هذا التباين الاستراتيجي في النهج العقائدي اختلاف طبيعة المهام والأهداف لكلتا القوتين البحريتين.

 

بحلول عام 2030، تسعى البحرية الهندية إلى امتلاك 170 سفينة، بينما تهدف البحرية الباكستانية إلى الوصول إلى 31 سفينة، وتتحول البحرية الهندية تدريجيا نحو منصات غربية مثل غواصات سكوربين، مع تقليل اعتمادها على روسيا، في المقابل، تعتمد البحرية الباكستانية بشكل متزايد على المعدات الصينية والتركية.

 

◄كيف يثير التعاون البحري الصيني-الباكستاني قلق الهند؟

 

رغم اعتمادها السابق على روسيا، تتوجه البحرية الهندية نحو الدول الغربية لتلبية متطلباتها، مثل طائرات رافال مارين وغواصات بقدرات دفع مستقل عن الهواء من ألمانيا وإسبانيا، كما أن عجز روسيا عن تلبية هذه المتطلبات بسبب الحرب الروسية الأوكرانية جعل الهند تعيد ترتيب أولوياتها الجيوسياسية لتحسين جاهزية قواتها البحرية وتطوير قدراتها في المسرح النووي.

 

شهدت البحرية الباكستانية تحولًا كبيرًا عام 2005 بصفقة الفرقاطات من فئة ذو الفقار مع الصين، واستمر التطور مع غواصات فئة يوان AIP، التي زادت من تفوق باكستان في القوى البحرية، وهذه الغواصات الطويلة البقاء تحت الماء أثارت قلق الهند، مما أجج الجدل حول توازن القوى الإقليمي وإمكانية تعزيز  وجود الغواصات على حساب حاملات الطائرات.

 

بينما توسعت الهند في شراكاتها البحرية مع الغرب، بما في ذلك مناورات مالابار التي تجمع القوى البحرية الرباعية، ركزت باكستان على التعاون مع الصين، خاصة تدريبات بحر العرب 2023 بين البلدين، مثل Sea Guardian 3، أبرزت الأصول المتقدمة لجيش التحرير الشعبي.

 

في المقابل، عززت الهند وجودها عبر 17 مناورة متعددة الأطراف و20 مناورة ثنائية سنويًا، مع تركيز خاص على المسرح النووي والقوى البحرية مع الغرب، وسلطت مناورات تايجر تريومف 2019 مع الولايات المتحدة الضوء على المساعدات الإنسانية، في حين واصلت باكستان تعزيز قدراتها البحرية مع الصين، ما يعكس تنافسًا بحريًا متزايدًا بين الجارين..

 

بينما تؤكد سياسة الأمن القومي الباكستانية أن تعزيز الهند لدورها كمزود للأمن في المحيط الهندي قد يؤثر سلبًا على الأمن الإقليمي والمصالح الاقتصادية، وفي الوقت ذاته، ترى الهند أن موقع باكستان وقربها من القوى البحرية الباكستانية يعزز من التهديدات البحرية التي تواجهها.

 

لطالما كانت قضية رسو السفن الحربية الباكستانية والصينية في ميناء جوادر محل اهتمام الأوساط التحليلية الهندية، ومع تزايد التعاون بين البحرية الباكستانية والبحرية الصينية في شمال المحيط الهندي، تصاعدت مخاوف نيودلهي بشكل ملحوظ.

 

◄رحلة تطور غواصات الردع النووي

 

 

في أبريل/نيسان عام 2023، أكد قادة الدفاع الهنديون أن هذا التعاون يمثل تهديدًا جوهريًا يستدعي توسعًا سريعًا لقدرات البحرية الهندية، ومن المتوقع أن تنمو البحرية الباكستانية بنسبة 50% بحلول عام 2030 بدعم كبير من الصين، وبينما ترى باكستان دوريات SG3 المشتركة مع الصين إنجازًا تاريخيًا، تفسر الهند هذه التحركات كتحدٍّ مباشر لها، لا سيما بعد تأكيد عضوية الهند الكاملة في القوات البحرية المشتركة بقيادة البحرية الأمريكية، التي تشمل 46 قوة بحرية متعددة الأطراف، ومنها باكستان.

 

يشكل العنصر النووي في الأساطيل البحرية لكل من الهند وباكستان عاملًا جديدًا في الديناميكية الإقليمية، فقد نفذت الهند أول “دورية ردع” لسفينة INS Arihant عام 2018، لكن المراقبين شككوا في تحقيق هذا الإنجاز أهدافه السياسية، في حين تمتلك الهند غواصتين صاروخيتين باليستيتين عاملتين، لكنها تحتاج إلى أربع غواصات لتحقيق ردع مستمر.

 

ومع ذلك، تشير تقديرات الخبراء إلى أن الغواصات الهندية ستحتاج عقودًا إضافية لتحقيق جاهزية كاملة للدوريات بعيدة المدى، ويأتي مشروع 75 ألفا التابع للبحرية الهندية كخطوة طموحة لبناء أسطول من الغواصات الهجومية النووية، ورغم التأخيرات، تسعى الهند لإطلاق المشروع بدعم من فرنسا، وهي جهود تسلط الضوء على أهمية القوى البحرية النووية في تحديد ميزان القوى الإقليمي، لا سيما مع الصواريخ الباليستية الهندية المتقدمة مثل كيه-15 وكيه-4، التي تعزز الردع البحري للهند.

 

يمثل الردع النووي البحري الباكستاني حالة من الغموض تعكس العقيدة غير المعلنة لإسلام آباد، ورغم ذلك، فإن إنشاء قيادة القوات الاستراتيجية البحرية عام 2012 أوضح توجهات باكستان نحو تطوير قوة بحرية نووية، كذلك، عززت عقيدة البحرية لعام 2018 أهمية الردع الاستراتيجي لموازنة الفجوة في القوى التقليدية، ما يعكس طموحات “القوى البحرية” الباكستانية.

 

وتؤكد جهود باكستان لتطوير صاروخ كروز “بابور-3” القادر على الإطلاق من الغواصات سعيها لتعزيز الردع البحري، ورغم اختبارات ناجحة في 2017 و2018، لم يتم استخدامه بعد على غواصات “أجوستا 90-بي”، ومع مداه البالغ 450 كيلومترًا، يعكس هذا المشروع رغبة “القوى البحرية” الباكستانية في تطوير إمكانيات متقدمة رغم تحديات التحديث والمنافسة الإقليمية.

 

تلتزم الهند بسياسة “عدم الاستخدام الأول” للأسلحة النووية مع عقيدة الانتقام الشامل، ما يجعل الغواصات النووية منصة رادعة، بالمقابل، تعتمد باكستان سياسة “الردع الكامل”، التي قد تشمل استخدام غواصات تقليدية تعمل بالطاقة النووية.

 

◄أبعاد جديدة لصراع القوى البحرية في جنوب آسيا

رغم الأزمات العديدة بين الهند وباكستان، لم تشهد “القوى البحرية” اشتباكًا مباشرًا منذ حرب 1971، ومع ذلك، وقعت حوادث بحرية متكررة، أبرزها حادثة 2019 عندما زعمت باكستان صد غواصة هندية، ورغم نفي الهند، تعكس هذه الوقائع خطر التصعيد البحري بين الجارتين، خاصة في ظل تنامي التعاون بين باكستان والصين.

 

العداء الإقليمي والتعاون الباكستاني الصيني يضيفان أبعادًا جديدة لصراعات “القوى البحرية” في جنوب آسيا، ويتزايد البعد النووي تعقيدًا، كما ظهر خلال أزمة فبراير 2019، حيث ركزت الهند على البحث عن غواصات باكستانية استراتيجية، وهذا التوجه الهندي، إلى جانب تطوير قدرات مضادة للغواصات مثل المركبات البحرية المسيرة، يمكن أن يرفع احتمالية التصعيد غير المقصود.

 

تقتصر علاقة باكستان والهند على “الحد الأدنى”، دون أن تكون هناك علاقات دبلوماسية أو اقتصادية شاملة، وهذا الوضع يعني بشكل ضمني غياب أي نوع من التفاعل العسكري العدائي بين البلدين، وخاصة على طول خط السيطرة الذي ظل متقلبًا على مر التاريخ.

 

وعلى الرغم من أن الوضع العسكري في المنطقة يشهد استقرارًا نسبيًا، فإن البيان المشترك لعام 2021، الذي صدر عن المديرين العامين للعمليات العسكرية لكلا البلدين، يعكس هذا الواقع الجديد، حيث تم تجديد التزام الجانبين بوقف إطلاق النار لعام 2003.

 

يعكس ذلك أن القوى البحرية لكلا البلدين قد اتخذت خطوة نحو التفاهم لضمان وقف التصعيد العسكري، حتى وإن كان الحل السياسي للنزاع بينهما بعيد المنال، ومن الملاحظ أن وقف إطلاق النار استمر بنجاح منذ فبراير/شباط 2021، حيث انخفضت الانتهاكات إلى عشرات فقط سنويًا، مقارنةً بالآلاف التي كانت تحدث قبل عام 2021، ورغم العلاقات السياسية المجمدة، فإن القوى البحرية تبقى عنصرًا أساسيًا في تعزيز الاستقرار العسكري والحد من المخاطر.

 

توفر البيئة البحرية مساحة أكبر للقوى البحرية للهند وباكستان للتفاعل بشكل إيجابي مقارنةً بالأراضي البرية، حيث تزداد مسؤولياتهما المشتركة على المسطحات المائية، ولا يتفاعل الجيشان الهندي والباكستاني بشكل مباشر في الأوقات السلمية، ولكن القوى البحرية تظل بحاجة إلى التعاون الوثيق بسبب زيادة التهديدات المتعلقة بشحن البحر.

 

وعلى مرّ السنوات، تطورت التهديدات البحرية بشكل أكبر، ما يستدعي التعاون بين القوى البحرية للبلدين لضمان حماية ممرات العبور البحرية الموصى بها دوليًا، وبسبب تزايد القدرات النووية لدى الهند وباكستان، أصبحت الحاجة إلى اتفاقات بحرية أكثر أهمية لضمان الحد من أي تصعيد عسكري، وبالفعل، تطلب الوضع البحري أن يكون هناك اتفاق على مستوى القوى البحرية للحد من التوترات وتجنب أي لقاءات غير مخطط لها قد تؤدي إلى نتائج سلبية.

 

 

◄تاريخ الاتفاقيات لمنع الأزمات العسكرية في بحر جنوب آسيا

 

 

تتميز الساحة البحرية بأنها بعيدة عن أعين الجمهور إلى حد ما، ما يقلل من الحساسيات السياسية المرتبطة بأي اتفاقات جديدة بين الهند وباكستان، ورغم الانخفاض الملحوظ في التفاعل بين الشعبين بسبب العلاقات المحدودة، إلا أن السفن الباكستانية تتواجد بشكل منتظم في الموانئ الهندية.

 

ومن خلال تفاعل القوى البحرية، فإن هذا التعاون يسهم في تقليل أي مخاوف سياسية قد تنشأ نتيجة لهذه التفاعلات البحرية، من الناحية الأخرى، ورغم المخاطر التي قد تتسبب فيها اللقاءات غير المخطط لها بين القوى البحرية، فإن الخطر النووي في البحر جنوب آسيا يبقى مصدر قلق أكبر في البيئة تحت سطح البحر، حيث أظهرت الهند تخفيض قدراتها النووية في بحرها، خاصة في ما يتعلق بالسفن البحرية الدورية.

 

رغم أن التنافس الجيوسياسي في جنوب آسيا أصبح أكثر تعقيدًا نتيجة التركيز المتزايد من قبل الهند على التهديدات التي تشكلها الصين، فإن بناء الثقة بين الهند وباكستان يظل عنصرًا مهمًا في تقليل المخاطر الاستراتيجية في المنطقة.

 

وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، تميزت العلاقات بين البلدين بنقص شديد في التفاعل الثنائي، ما ساهم في ضعف فرص بناء الثقة أو عقد اتفاقيات جديدة، ورغم الحوادث الصاروخية مثل إطلاق صاروخ كروز غير مسبوق في عام 2022، الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى تصعيد كبير، لم يظهر أي من الجانبين استعدادًا لاتخاذ خطوات جادة نحو اتفاقيات جديدة.

 

بناءً على ذلك، يجب أن تنظر كل من الهند وباكستان إلى الاتفاقات البحرية كأداة لبناء الثقة بين القوى البحرية، وتحقيق التفاهم في المجال البحري، مثل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم برعاية مديرية العمليات البحرية في عام 2021، حيث يمكن أن تساعد الاتفاقات البحرية في تجنب الأزمات العسكرية التي قد تنشأ بسبب التفاعلات غير المخطط لها في البحر.

 

إحدى أقدم تدابير بناء الثقة البحرية بين الهند وباكستان هي اتفاقية الحوادث البحرية التي تشبه الاتفاقية الدولية رقم 82 لعام 1972 بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وقد تم التأكيد على أهمية هذه الاتفاقية في إعلان لاهور لعام 1999، حيث أقر الجانبان أن “الطرفين يتفقان على منع الحوادث البحرية لضمان سلامة الملاحة بواسطة السفن البحرية والطائرات التابعة لهما”.

 

وبعد أن أصبح للنزاعات النووية دور كبير في العلاقات بين البلدين، أصبحت الحاجة إلى هذه الاتفاقية أكثر أهميةً، إذ إن وجود قوى بحرية نووية جديدة مثل الهند وباكستان يعزز الحاجة إلى تحاشي أي ترتيبات قد تحد من حرية العمل البحري لكلا البلدين، وبالمثل، فإن اتفاقية الحوادث البحرية الدولية تقدم نموذجًا مفيدًا لتحسين سلوكيات الأزمات في البحر، خاصة بالنسبة للمنصات النووية وغير النووية.

 

حيث تحتفظ الهند وباكستان باتفاقية قديمة تعود إلى عام 1991 تتعلق بـ “الإخطار المسبق بالتدريبات العسكرية والمناورات وتحركات القوات”، التي تشمل فقرات محددة بشأن تباعد القوى البحرية بين البلدين، وتنص فيها الفقرة 10 على منع السفن البحرية والغواصات من الاقتراب على مسافة أقل من 3 أميال بحرية، بهدف تجنب الحوادث، في حين تنص الفقرة 12 على امتناع الطائرات عن التحليق فوق الوحدات البحرية الأخرى في المياه الدولية، ومع ذلك، تظهر الحوادث الأخيرة ضعف الاتفاقية، حيث اعتُبرت بعض بنودها قديمة وغير فعّالة في مواجهة التحديات الحديثة.

 

 

◄تحديات في تطبيق الاتفاقية البحرية

على الرغم من وجود اتفاقية 1991، شهد العقد الماضي حوادث بحرية بين القوى البحرية الهندية والباكستانية تُظهر هشاشة الاتفاق، ومع تقدم تكنولوجيا المركبات غير المأهولة، وقدرات تتبع السفن الحربية والغواصات، يزداد خطر اللقاءات غير المخطط لها في البحر، حيث وصف بعض النقاد الاتفاقية بأنها قديمة، خاصة في ما يتعلق بمسافة الثلاثة أميال بحرية، لكن، رغم ذلك، لا يزال الطرفان ملتزمين بالاتفاق إلى حد ما، حيث تواصل الهند إشعار باكستان بأي انتهاكات مفترضة.

 

رغم أن اتفاقية INCSEA تعتبر الأداة المثالية لتقليل المخاطر بين البحريتين الهندية والباكستانية، إلا أن التاريخ يظهر أن الجيشين يتبعان القواعد المتفق عليها بشكل غير مكتوب، حيث إن وقف إطلاق النار لعام 2003 الذي تم تجديده في 2021 كان مثالاً على الاتفاقات غير المدونة، مع اتباع القادة المحليين لإجراءات عملياتية غير رسمية، وذلك لتفادي المواجهات العسكرية البحرية لتتيح للقوى البحرية التنسيق بشكل غير رسمي ومرن.

 

 

 

◄ما أهمية الخط الساخن في إدارة الأزمات البحرية؟

وفقًا للموقع الأمريكي ذاته، فإن آلية الاتصال الموثوقة، مثل الخط الساخن بين المديريين العامين للعمليات البحرية في الهند وباكستان، ضرورية لتقليل احتمال وقوع حوادث بحرية غير مخطط لها، رغم عدم استخدام الخط الساخن بشكل مكثف في السنوات الأخيرة، فإنه كان حاسمًا في تجديد وقف إطلاق النار في الماضي، وإذا تم تفعيله بشكل صحيح، سيكون لهذا الخط الساخن دور حيوي في تبادل المعلومات وتنسيق الجهود لمنع أي تصعيد بين القوى البحرية، خصوصًا في حالات الأزمات الطارئة.

 

من المهم أن يتفاعل القادة البحريون في الهند وباكستان لتعزيز الثقة الثنائية، وذلك من خلال قنوات الاتصال المباشرة، كالخط الساخن بين المديرين العامين للعمليات البحرية في كلا البلدين يعتبر أكثر فعالية في إدارة الأزمات البحرية مقارنةً بالقنوات الأخرى، ففي الهند، على سبيل المثال، يُعتبر هذا الخط جزءًا من شبكة اتصال وثيقة تضم القادة العسكريين، وهو يتيح استجابة سريعة في حال وقوع أي حادث بحري غير متوقع بين القوى البحرية الهندية والباكستانية.

 

على المدى البعيد، وبغض النظر عن المشاركة السياسية، من الضروري أن تستثمر الهند وباكستان في تعزيز التفاعل بين قواهما البحرية، ويتطلب ذلك، على سبيل المثال، التوعية بالمخاطر النووية المتبادلة، خاصة بعد إدخال القوى البحرية النووية في التنافس الإقليمي، وهذه التفاعلات تساهم في تحسين التنسيق والوعي المشترك حول المخاطر النووية، وهو ما يعتبر أساسًا للمستقبل.

 

 

◄تاريخ التعاون البحري بين الهند وباكستان

 

 

خلال الفترة من 2003 إلى 2018، حافظت خفر السواحل في الهند وباكستان على تاريخ من الحوار، مدعومًا بخط ساخن للتواصل بينهما، فبينما توفر التدريبات المكتبية من خلال المسارات الثانية فرصة للتفاعل الفني الأكثر تحفظًا، فإن منتدى المحيط الهندي البحري يمثل إطارًا مؤسسيًا أوسع يعزز التعاون بين 25 دولة ساحلية في المحيط الهندي، وهذا يساهم في دفع الحوار بين القوى البحرية لتجنب التصعيد.

 

ومن خلال مشاركتهما المنتظمة في ندوة المحيط الهندي البحرية، والتي تُعقد كل عامين، تسعى الهند وباكستان إلى تعزيز التعاون البحري، رغم التنافس المستمر بينهما، ومع تولي الهند رئاسة المجموعة بين 2025 و2027، سيكون لديها الفرصة لتوسيع نطاق المناقشات وتطوير استراتيجيات تعاون لخفض حوادث البحرية واتفاقات التشغيل القياسية التي تشمل المخاطر النووية، ما يساهم في الاستقرار البحري.

 

إن منتديات بحرية متعددة الأطراف مثل ندوة المحيط الهندي البحرية تلعب دورًا حيويًا في معالجة التحديات البحرية، بغض النظر عن تغير العلاقات الثنائية بين الهند وباكستان، وفي السياق ذاته، تمكنت مجموعة المحيط الهادئ البحرية من تطوير “مدونة غير ملزمة” في عام 2014، تهدف لتقليل الحوادث البحرية، وهو أمر يعكس تطورًا مشتركًا رغم المنافسات الدولية.

 

على الرغم من أن الخطر النووي البحري يعتبر جديدًا نسبيًا، فإنه يفرض على الهند وباكستان التعامل بجدية مع تقنيات جديدة مثل المركبات غير المأهولة، وتعزز هذه المشاركة في منتديات بحرية متعددة الأطراف من قدرة البلدين على فهم تأثير هذه القدرات المتطورة على الاستقرار البحري في المنطقة، ويُعد هذا النوع من التعاون بين القوى البحرية في شبه القارة الهندية خطوة أساسية للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

 

وأخيرًا، إن التوترات المستمرة في العلاقات الثنائية بين الهند وباكستان تلزم الدولتين بتحسين سبل التواصل، لا سيما في الأمور التكتيكية التي لا تؤثر مباشرة على السياسة، ويساهم تعزيز الاتصالات بين القوتين البحريتين في منع التصعيد وتحقيق الاستقرار، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تكرار التوصيات المتعلقة بالحد من المخاطر النووية في المجال البحري في المنطقة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى