في وادي الملكات على البر الغربي لمدينة الأقصر، تتربع واحدة من أجمل وأعظم مقابر الفراعنة؛ مقبرة الملكة نفرتاري، زوجة الملك رمسيس الثاني، تم اكتشافها عام 1904 على يد البعثة الإيطالية بقيادة العالم إرنستو شياباريلي.
وتُعتبر هذه المقبرة من أكثر المعالم المبهرة في مصر؛ حيث تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم بجمال نقوشها، وتفاصيلها الدقيقة، وألوانها الزاهية التي لم تتأثر رغم مرور آلاف السنين، تتميز المقبرة بمساحتها الواسعة التي تغطي أكثر من 520 مترًا، وتمثل شاهداً على الرقي الفني والهندسي الذي بلغه المصريون القدماء.
يهدف هذا التقرير إلى استكشاف جوانب مقبرة الملكة نفرتاري، وقائمة بأهم المقابر والمعابد التاريخية في الأقصر، التي تزداد زيارة السياح لها، خاصةً في الموسم السياحي الشتوي.
◄ خلفية تاريخية
كانت الملكة نفرتاري من أبرز الملكات في مصر القديمة، وامتازت بجمالها ورقتها، حتى وصفها زوجها الملك رمسيس الثاني بأنها “التي تشرق الشمس من أجلها”. تزوجت من رمسيس الثاني منذ صباها، وكان حينها يبلغ من العمر 14 عاماً.
قدم لها الملك الكثير من التقدير، فقد نحت لها تمثالين كبيرين بجواره في معبد أبو سمبل، وصوّرها بجانبه في معابده المختلفة، مما يؤكد مكانتها المميزة في حياته وفي البلاط الملكي.
◄ تصميم المقبرة
تتكون مقبرة نفرتاري من سبع حجرات، وممر طويل يقود إلى غرفة التابوت. من الغرفة الرئيسية، يمتد ممر يؤدي إلى غرفة مستطيلة، وفي آخر الغرفة الأولى يوجد درج يؤدي إلى غرفة التابوت التي تتوسطها أربع دعائم، وتحيط بها ثلاث غرف صغيرة، يتميز تصميم المقبرة بمزيج من الرموز والرسومات التي تحكي رحلة الملكة في العالم الآخر، حيث تظهر الملكة مصحوبة بعدد من الآلهة، في مشهد يخلب الألباب ويعكس المعتقدات الدينية للمصريين القدماء.
◄ اكتشاف المقبرة
اكتُشفت مقبرة نفرتاري عام 1904، لكن لم تُفتح للزيارة العامة إلا في التسعينيات، بعد جهود للحفاظ عليها من التلف الناتج عن ترسب الأملاح والرطوبة التي أضرت بجمال النقوش والألوان. تطلّبت عملية الترميم استخدام تقنيات متطورة لحماية الألوان، خصوصًا وأن نقوش المقبرة مليئة بالرموز والدلالات الدينية والرمزية، ما يعكس احترام المصريين القدماء للأبدية واعتقادهم بالحياة بعد الموت.
◄ الأكثر شهرة
تُعد مقبرة نفرتاري من بين المقابر الأكثر شهرة وتميزًا في وادي الملكات، إذ تتميز برسومات متقنة تعكس جوانب الحياة الدينية للملكة وتفاصيل رحلتها في العالم الآخر. يُعتبر مستوى التفاصيل في المقبرة متفردًا من نوعه، حيث استخدم الفنان المصري القديم ألوانًا زاهية وتقنيات تصوير تجعل من المقبرة لوحة فنية تتجاوز الزمن، ومن بين أشهر المقابر الأخرى في وادي الملكات، نجد مقابر الملكات والأمراء من عصر الدولة الحديثة، مما يجعل هذا الوادي محطة بارزة في تاريخ الفراعنة.
◄ وادي الملوك والنبلاء
في الأقصر، إلى جانب وادي الملكات، يقف وادي الملوك كأحد أعظم المعالم الأثرية في مصر، حيث دُفن العديد من ملوك وملكات الدولة الحديثة، ومن أهم مقابر وادي الملوك مقبرة توت عنخ آمون، التي اشتهرت عالميًا بالكنوز التي اكتُشفت بداخلها، إضافة إلى ذلك، يضم وادي النبلاء مقابر لكبار المسؤولين في عهد الفراعنة، الذين كانت حياتهم محفوفة بالأسرار والمغامرات، وتحتوي مقابرهم على نقوش ورسومات تروي حياتهم اليومية ومعتقداتهم.
◄ أهمية الموسم السياحي الشتوي للأقصر
تشهد الأقصر في الموسم السياحي الشتوي، الذي يبدأ من أكتوبر وحتى نهاية أبريل، إقبالاً كبيرًا من السياح من مختلف أنحاء العالم، حيث يأتي الزوار لاستكشاف عظمة المعابد والمقابر الفرعونية.
وتعتبر مقابر وادي الملوك ووادي الملكات، بما فيها مقبرة الملكة نفرتاري، من أكثر المعالم التي يقصدها السياح، ويعود هذا الإقبال الكبير إلى روعة التفاصيل التي تتميز بها المقابر، والتي تجعل الزائر يشعر بوجوده في حضرة التاريخ، كما لو كان يستكشف مملكة خالدة من السحر والجمال.
◄ حماية التراث
يمثل الحفاظ على الآثار والمقابر التاريخية في الأقصر تحديًا كبيرًا، فالتلف الذي تسببه العوامل الطبيعية مثل الرطوبة وترسب الأملاح يشكل تهديدًا مباشرًا لهذا التراث. ومع تزايد الوعي بأهمية هذه المواقع، بذلت وزارة السياحة والآثار المصرية جهودًا كبيرة لحماية المواقع الأثرية من التلف، إلى جانب التعاون مع المؤسسات الدولية للاستفادة من الخبرات المتقدمة في مجال ترميم الآثار.
تظل مقبرة الملكة نفرتاري شاهدةً على عظمة الحضارة المصرية القديمة وإبداعاتها الفنية، إن زيارتها تمثل رحلة عبر الزمن، تأخذ الزائر إلى عالم من الجمال والتفاصيل التي تبرز مهارة الفنان المصري القديم، كما تُعد المقبرة جزءاً من الإرث العالمي الذي يسعى السياح إلى اكتشافه، وهو ما يعزز أهمية حماية هذه الكنوز، لضمان استمرار إشعاع الحضارة المصرية وجمالها عبر العصور.