تُعد محافظة شمال سيناء من المناطق التي تتمتع بثروة سمكية غنية ومتنوعة، مما يجعلها محورًا مهمًا لتحقيق الأمن الغذائي ودعم الاقتصاد المحلي.
تمتلك المحافظة مصادر متعددة للإنتاج السمكي، تشمل بحيرة البردويل، البحر الأبيض المتوسط، والمزارع السمكية المستحدثة، إلى جانب المشاريع البحثية التي تقوم بها جامعة العريش، مما يعكس رؤية متكاملة نحو التنمية المستدامة.
وبحيرة البردويل تُعد من أكبر وأهم البحيرات على مستوى الجمهورية، وتتميز بكونها من أنقى البحيرات في العالم، ما يجعل بيئتها مناسبة لإنتاج أسماك ذات جودة وسمعة عالمية. تمتد البحيرة على مساحة 165 ألف فدان، ويبلغ إنتاجها السنوي نحو 3500 طن من الأسماك.
وأشار الدكتور شكري سالمان، مدير بحيرة البردويل، إلى أن البحيرة تنتج أنواعًا مميزة من الأسماك مثل الدنيس، القاروص، اللوت، والعائلة البورية، حيث يتم الاعتماد على عدة حرف صيد تقليدية، أبرزها “حرفة الدبة” لصيد الأسماك القاعية و”حرفة البوص” لصيد أسماك العائلة البورية. تتم عمليات الصيد من أربعة مواقع رئيسية: التلول، أغزيوان، النصر، حيث يخدم قطاع الصيد أكثر من 3500 صياد عبر 1228 مركبًا.
وتقدم ست جمعيات خدمات متكاملة للصيادين، أبرزها جمعية العريش، جمعية السلام، وجمعية البردويل. وتسعى هذه الجمعيات إلى تحسين ظروف العمل للصيادين وضمان استمرارية الإنتاج، ما يعزز من الدور الحيوي للبحيرة في دعم الاقتصاد المحلي.
إلى جانب بحيرة البردويل، تمتد محافظة شمال سيناء على ساحل البحر الأبيض المتوسط لمسافة 220 كم. هذا الامتداد يوفر بيئة غنية لتطوير عمليات الصيد البحري، حيث يصل الإنتاج السنوي للأسماك من البحر إلى نحو 1500 طن.
تشير بيانات مركز معلومات محافظة شمال سيناء، إلى أنه ضمن جهود تعزيز الإنتاج المحلي، تم إنشاء مزرعتين للاستزراع المكثف؛ الأولى في مدينة العريش بالقرب من المطار، والثانية في قرية أم شيحان بوسط سيناء. تصل الطاقة الإنتاجية لكل مزرعة إلى 70 طنًا سنويًا، يتم تحقيقها من خلال دورتين إنتاجيتين. إضافة إلى ذلك، يجري العمل على إنشاء 6 مزارع أخرى في مناطق متعددة، تشمل مركز رفح، الشيخ زويد، الحسنة، العريش، واثنتين في بئر العبد، بانتظار صدور قرارات التخصيص للبدء في التنفيذ.
وفي مارس الماضي، احتفلت المحافظة بإنتاج أول مزرعة سمكية في منطقة أم شيحان بوسط سيناء، حيث تحتوي المزرعة على 5 أحواض تضم أكثر من 100 ألف زريعة. تم حصاد حوضين بإجمالي 25 ألف سمكة، وسيُطرح الإنتاج للمواطنين بأسعار مدعومة، تبدأ من 40 جنيهًا للكيلو.
وأكد المهندس محمد سويلم، مدير إدارة المزارع السمكية بالمحافظة، أن هناك خطة لإنشاء أربع مزارع جديدة تعتمد على المياه الجوفية، بالإضافة إلى ثلاث مزارع أخرى على مياه البحر. وأوضح أن المزارعين سيحصلون على دعم مجاني لإنشاء مزارع أهلية، مما يعزز من مشاركة المجتمع المحلي في هذا القطاع.
من بين المشاريع المهمة التي يتم التخطيط لها في المحافظة، إنشاء مفرخ سمكي في منطقة غرب العريش، بطاقة إنتاجية تتراوح بين 3 و5 ملايين وحدة إصباعية سنويًا. وقد تم الانتهاء من الدراسات الإنشائية للمشروع، على أن يتم البدء في التنفيذ فور صدور قرار التخصيص. يُتوقع أن يستغرق إنشاء المفرخ حوالي 6 أشهر، وسيسهم في توفير الزريعة لدعم المزارع السمكية القائمة.
في إطار التعامل مع مشكلة زيادة ملوحة المياه الجوفية، تعمل الجهات المختصة على تحويل الآبار غير الصالحة للزراعة إلى مزارع سمكية. كما يتم إنشاء أحواض سمكية على الأراضي الزراعية الموزعة على المزارعين، بهدف تحسين استخدام مياه الري ورفع قيمتها الإنتاجية، لا سيما على ترعة السلام. ويجري أيضًا إعداد دراسات لإنشاء 80 قفصًا سمكيًا استرشاديًا ضمن مشاريع تشغيل شباب الخريجين، بما يسهم في دعمهم وتشجيعهم على العمل في هذا القطاع.
وأسهمت جامعة العريش في تعزيز القطاع السمكي من خلال مشروع استزراع سمكي تدريبي وبحثي، ضمن سلسلة مشروعاتها في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني. يقع المشروع على مساحة 5 أفدنة، ويتضمن 7 أحواض بمساحة تصل إلى 1000 متر مكعب لكل حوض، إلى جانب صوبات للتربية ومواقع للتفريخ.
بدأت الجامعة حصاد الأحواض بعملية تخفيف، حيث يتم استخراج الأحجام الكبيرة من أسماك البلطي للسماح للأحجام الأصغر بالنمو. وصرّح الدكتور محمد سالم، عميد كلية الاستزراع المائي بجامعة العريش، بأن المشروع يهدف إلى توفير منتج نظيف وخالٍ من التلوث، يعتمد على مياه نقية متجددة وأعلاف عالية القيمة. وأكد أن هذه التجربة توفر نموذجًا يمكن تطبيقه في المزارع الأهلية، كما تعزز من مهارات الطلاب عبر تدريب عملي يعود عليهم بالفائدة بعد التخرج.
تعكس هذه الجهود المتكاملة في شمال سيناء رؤية طموحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسماك، وتعزيز الأمن الغذائي للمجتمع المحلي. وبفضل التنوع في مصادر الثروة السمكية، بدءًا من البحيرات والمزارع وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط، تمتلك المحافظة إمكانيات كبيرة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
بالإضافة إلى ذلك، تُعد مشاركة المؤسسات التعليمية مثل جامعة العريش في هذه المشاريع خطوة مهمة نحو ربط التعليم بالواقع العملي، وتشجيع الشباب على دخول قطاع الاستزراع السمكي. ومع استمرار دعم الجهات الحكومية وتوفير التسهيلات للمزارعين، من المتوقع أن تسهم هذه المشاريع في تحسين مستوى المعيشة وخلق فرص عمل جديدة.