عاجلمقالات

سامح عبد الغني يكتب: «عطفة الحمام».. زقاق التاريخ والمجد على باب زويلة

في قلب شارع المعز لدين الله الفاطمي، وتحديداً بجوار باب زويلة الشهير، تقع «عطفة الحمام»، الزقاق الذي يختزل حكايات مئات السنين من التاريخ والثقافة.

 

يعود أصل التسمية إلى حمام السكرية الذي أنشأه القاضي الفاضل خلال العصر الأيوبي، ليصبح هذا المكان ملاذاً للنساء، ومدخلاً للتراث المعماري والفني الذي امتد عبر العصور، وما زالت آثار هذا الزقاق تحمل عبق الماضي، حيث تجمع بين معالم من العصرين المملوكي والعثماني، وتُعد شاهداً حياً على روعة العمارة الإسلامية.

 

نقدم في جولتنا في زقاق «عطفة الحمام» في شارع المعز بالقاهرة، على باب زويلة، متضمناً تاريخها، سبب التسمية، وأبرز المعالم التي تميز هذا الشارع التاريخي.

 

 

◄ تاريخ «عطفة الحمام» وأصل التسمية

يعود تاريخ «عطفة الحمام» إلى العصور الوسطى، تحديداً إلى القرن السادس الهجري، حينما شيد القاضي الفاضل عبدالرحيم بن علي البيساني، الوزير في عهد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، حماماً في المنطقة ليخدم سكان القاهرة. ويعرف هذا الحمام بـ «الحمام السكرية» ، نسبةً إلى المنطقة التي شُيد فيها، وقد تم إنشاء مدخل خاص بالنساء، مما جعل هذه العطفة تُعرف بـ«عطفة الحمام».

 

◄ الموقع وأهمية عطفة الحمام

تقع عطفة الحمام في منطقة السكرية بشارع المعز بالقاهرة، وتحديداً عند باب زويلة، أحد أبواب القاهرة التاريخية، يمر بها الزوار والمتجولون في طريقهم لاستكشاف هذا الجزء العريق من القاهرة، حيث كانت تُعرف سابقاً بأسماء أخرى مثل “عطفة القاياتي” و”عطفة الألايلي”، ويُعتبر باب زويلة والمباني التاريخية المحيطة بالعطفة من أهم المعالم الأثرية في القاهرة.

 

 

◄ وصف حمام السكرية

يعد حمام السكرية أحد أبرز معالم العطفة، وقد وصفه الرحالة السوري عبد الغني النابلسي في كتابه «الحقيقة والمجاز» أثناء زيارته للقاهرة في القرن الثاني عشر الهجري. تحدث النابلسي عن ازدحام الناس داخل الحمام، وعن تصميمه الفريد الذي يتضمن أحواضاً مليئة بالماء، وغرفاً مخصصة للاغتسال والاسترخاء.

 

◄ تفاصيل التصميم الداخلي

يتضمن حمام السكرية تصميماً مميزاً يضم «حجرة المسلخ»، وهي حجرة خاصة لخلع الملابس، بالإضافة إلى ممرات وغرف مختلفة تصل إلى دورات المياه ودهاليز تؤدي إلى أماكن الاغتسال، يعكس هذا التصميم التراث المعماري الإسلامي الذي كان يتسم بالاهتمام بالتفاصيل الوظيفية والراحة للزوار.

 

 

◄ المنشآت التاريخية في عطفة الحمام

تضم العطفة العديد من المنشآت التي تعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي، أبرزها «وكالة نفسية البيضاء»، و«سبيل وكتاب نفسية البيضاء»، و«بيت منير أفندي».

 

هذه المباني تعكس جمال العمارة الإسلامية، حيث تزينت بواجهات مشربية من الخشب، وزخارف نباتية فريدة تعكس حرفية ودقة الصناع في ذلك الوقت.

 

 

◄ سبيل نفسية البيضاء ووكالتها

في عام 1796 ميلادية، قامت الست نفيسة البيضاء، زوجة الأمير مراد بك، بتشييد سبيل على ناصية عطفة الحمام، وكان مخصصاً لتوزيع الماء على المارة، في حين استخدمت الطابق العلوي كـ«كتاب» لتعليم الأطفال، كما ألحقت بالسبيل وكالة تُعرف بـ «وكالة السكرية»، حيث كانت متخصصة في بيع السكر واللوز والبندق، بالإضافة إلى السمن والدجاج.

 

◄ مشربية العطفة والزخارف الخشبية

من أبرز ما يميز العطفة، المشربية التي تعلو مدخل الوكالة، والمصنوعة من الخشب بدقة متناهية. ويعلو المشربية كورنيش خشبي تزينه زخارف نباتية، تعكس فنون الزخرفة والنقوش التي اشتهرت بها القاهرة خلال تلك الحقبة الزمنية.

 

 

◄ عطفة الحمام اليوم.. بين الماضي والحاضر

ما زالت عطفة الحمام تحتفظ بلمساتها التاريخية، حيث يقصدها الكثير من الزوار والباحثين للاطلاع على التراث المعماري الإسلامي. ورغم التغيرات التي طرأت على معالمها، إلا أنها ما زالت تروي قصصاً عن ماضي القاهرة المجيد، وتقدم لمحة عن حياة الناس في تلك العصور القديمة.

 

تظل «عطفة الحمام» شاهداً على تاريخ القاهرة العريق وتفاصيل حياة سكانها في العصور الإسلامية المختلفة. إن هذا الزقاق الذي كان يوماً مدخلاً لحمام السكرية، تحول اليوم إلى رمز من رموز التراث المعماري، وأصبح معلماً تاريخياً يقصده الزوار للاطلاع على عبق الماضي، وللاستمتاع بجمال وروعة الزخارف الإسلامية التي تزين جدرانه ومبانيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى