تحتضن مدينة الإسكندرية كنوزًا تاريخية، تعكس أصالة هذه المدينة العريقة، ودورها البارز في حماية حدود مصر على مر العصور.
ومن بين هذه الكنوز، تأتي “طابية باب الخندق” بمنطقة العرب والمكس، كأحد الحصون العسكرية التي شُيِّدت في عهد عباس حلمي الأول (1848-1854م) لحماية الإسكندرية من الغزوات والهجمات.
تقع الطابية خلف طابية المكس القديمة، وتُعتبر شاهدًا على مدى اهتمام الدولة المصرية في القرن التاسع عشر بتعزيز دفاعاتها العسكرية، وهى في انتظار تسجيلها كأثر تاريخي.
الموقع والتاريخ
تقع طابية باب الخندق في منطقة المكس، خلف طابية المكس القديمة، وتطل على ترعة الخندق، مما يوفر لها موقعًا استراتيجيًا هامًا.
انشأ الطابية عباس حلمي الأول خلال فترة حكمه، والتي شهدت بناء العديد من التحصينات العسكرية لمواجهة التحديات الخارجية، ويعود تاريخ بناءها إلى الفترة بين 1848 و1854م، مما يجعلها من الآثار المهمة التي تعكس فن العمارة العسكرية في مصر خلال القرن التاسع عشر.
الوصف المعماري
تتميز طابية باب الخندق بتصميم معماري فريد يعكس القدرات الهندسية التي كانت موجودة في ذلك العصر.
وتتكون الطابية من مبنى مستطيل الشكل بُني فوق تل ترابي، ويتميز باستخدام الحجر الجيري الصغير في معظم البناء، باستثناء المدخلين في الجهتين الشرقية والغربية، حيث استُخدم حجر النميوليت الرملي الكبير.
الواجهات الخارجية للطابية:
الواجهة الغربية: تعتبر الواجهة الرئيسية للطابية، وتطل على ترعة الخندق، تأخذ هذه الواجهة شكلًا مستطيلًا من الحجر الجيري، ويحتوي وسطها على مدخل مصنوع من حجر النميوليت الرملي، يتميز هذا المدخل بشكل مستطيل مع عقد موتور.
الواجهة الشرقية: تحتوي أيضًا على مدخل من حجر النميوليت، وهو معقود بعقد نصف دائري، ويفتح في هذه الواجهة نافذتان مستطيلتان تعملان كنوافذ صغيرة للتهوية والإضاءة، وكل نافذة مصممة بفتحة معقودة بعقد موتور.
الواجهة الجنوبية: واجهة مصمتة مبنية من الحجر الجيري، تتميز بكونها خالية من أي فتحات أو نوافذ، مما يعزز من متانة التحصين.
الواجهة الشمالية: تشبه الواجهة الجنوبية من حيث التصميم، حيث لا تحتوي على فتحات أو تفاصيل زخرفية، مما يزيد من صلابة البناء.
الوصف الداخلي للطابية:
يؤدي المدخل الرئيسي للطابية إلى ردهة مستطيلة، بُنيت من حجر النميوليت، ويغطي سقف الردهة قبو نصف دائري، تفتح الردهة على فتحة مستطيلة أخرى معقودة بعقد موتور، تقع بينها “ساقطة الزيت”، وهى عنصر دفاعي صُمم لإعاقة تقدم المهاجمين من خلال سكب الزيت المغلي عليهم أثناء محاولة اقتحام الطابية.
ثكنات الجنود والممرات الداخلية:
من خلال المدخلين الرئيسيين، يتم الوصول إلى ممر مستطيل يضم خمس فتحات من الجانبين تُستخدم كفتحات سهام للدفاع، وفي نهاية هذا الممر من الجهة الشرقية، توجد مداخل تؤدي إلى حجرات مستطيلة داخلها حجرات أخرى، تُستخدم كغرف للجنود ومخازن للأسلحة والمؤن.
الأهمية التاريخية للطابية
تعتبر طابية باب الخندق جزءًا من شبكة الدفاعات العسكرية التي أقامها عباس حلمي الأول لحماية مصر والإسكندرية على وجه الخصوص، من الهجمات البحرية والتدخلات الخارجية.
إن اختيار هذا الموقع الاستراتيجي على ترعة الخندق وفوق تل ترابي يوضح مدى براعة التخطيط الدفاعي الذي كان معتمدًا في تلك الفترة، كما أن الطابية تمثل نموذجًا هامًا من العمارة العسكرية التي تجمع بين قوة البناء وتفاصيل الدفاع المعمارية، مثل فتحات السهام وساقطة الزيت، التي كانت تستخدم لإعاقة المهاجمين وتعزيز صمود الحصن في وجه أي اعتداء.
التحديات الحالية
ورغم هذه الأهمية التاريخية، تعاني الطابية اليوم من عدم تسجيلها كأثر بشكل رسمي، مما يجعلها عرضة للتدهور بفعل الزمن والعوامل البيئية، وأشارت د. أمل سعيد العربي، مدير عام بالإدارة العامة لوجه بحري وسيناء للآثار الإسلامية والقبطية، إلى ضرورة تسجيل الطابية للحفاظ على هذا التراث المهم وضمان حمايته من الإهمال والتدهور.
توصيات للحفاظ على الطابية
لضمان حماية طابية باب الخندق والحفاظ على قيمتها التاريخية، يجب اتخاذ عدة خطوات منها:
- 1. التسجيل الرسمي:
تسجيل الطابية كأثر لضمان وضعها تحت حماية الدولة، وتأهيلها للترميم والصيانة.
- 2. الترميم والصيانة:
إجراء دراسات لترميم أجزاء الطابية المتدهورة، وإعادة بناء الأجزاء المتهدمة من الأسوار والجدران.
- 3. التوعية الثقافية:
تعزيز الوعي بأهمية الطابية من خلال حملات إعلامية وبرامج توعية في المدارس والجامعات لتعريف الشباب بتاريخ هذه المواقع وأهميتها.
- 4. الترويج السياحي:
يمكن تطوير الطابية كموقع سياحي يعكس التاريخ العسكري للإسكندرية، مما يسهم في دعم السياحة الثقافية في المدينة.
تُعد طابية باب الخندق رمزًا للتاريخ العسكري لمصر في القرن التاسع عشر، وشاهدًا على الحقبة التي شهدت فيها مصر اهتمامًا كبيرًا بتعزيز دفاعاتها العسكرية، إن هذا الحصن الصامد، الذي كان يومًا ما حاجزًا يحمي المدينة من المخاطر، يستحق أن يُدرج ضمن الآثار المحمية، وأن يُسلط الضوء عليه كجزء من التراث المصري العريق.
ومع الاهتمام المتزايد بالحفاظ على التراث العمراني، نأمل أن تنال الطابية حقها في الحماية والترميم، لتظل شاهدًا على قوة التصميم الهندسي وتاريخ العزيمة العسكرية لمصر.