عاجلمقالات

سامح عبد الغني يكتب: حارة الصنادقية تاريخ عتيق

في قلب القاهرة الفاطمية، وبين أزقتها الضيقة وأسواقها العريقة، تبرز حارة الصنادقية كواحدة من أشهر الحارات التي تحمل بين جدرانها عبق الماضي وجمال التاريخ. هذه الحارة، التي كانت يومًا ما موطنًا لصناعة وبيع الصناديق الخاصة بالعروسين، أصبحت شاهدًا على تقاليد أصيلة وصناعات حرفية اندثرت مع مرور الزمن.

 

ومع ذلك، لا تزال حارة الصنادقية تحتفظ بجاذبيتها التاريخية، وهي تروي قصة السوق الذي ضم بين أركانه الحرفيين والتجار والعائلات التي صنعت تلك الصناديق النفيسة.

 

◄ أصل التسمية والتاريخ

تعود تسمية حارة الصنادقية إلى نشاطها الرئيسي في صناعة وبيع الصناديق الخاصة بالعروسين، تلك الصناديق كانت تُصنع من أخشاب مميزة، مطعمة بالنحاس أو الأصداف، وكانت تعتبر جزءًا أساسيًا من جهاز العروس. كان الصندوق قطعة فنية ثمينة، تعكس مكانة العروس في المجتمع، وتصنع خصيصًا للعائلات الثرية.

 

الحارة كانت موطنًا أيضًا لأسواق العطور، البخور، والتوابل، حيث كان أشهر بائعي العطور في مصر “الحاج حناوي”، كما أنها اشتهرت في تجارة “المسلى الدسم”، الذي كان يُباع بطريقة تقليدية، وهو ما يعكس الحياة الاقتصادية النابضة بالحياة في تلك الحقبة.

 

◄ مقام الإمام جعفر الصادق

في منتصف الحارة، يقع مقام الإمام جعفر الصادق، أحد أئمة المسلمين ومن ذرية الحسين بن علي، يُعتبر المكان مقصدًا للزوار خاصة العرسان الذين كانوا يزورونه طلبًا للبركة والدعاء بالذرية الصالحة؛ هذا المقام يمثل تراثًا دينيًا مهمًا للحارة وما زال يحتفظ بمكانته بين معالمها.

 

◄ وكالة الصنادقية

خلال القرن الثامن عشر، تم بناء وكالة الصنادقية في عصر الدولة العثمانية لتكون مركزًا تجاريًا يزدهر فيه بيع السلع المتنوعة، على الرغم من تدهور العديد من مبانيها، إلا أن المدخل الرئيسي والباب التاريخي لا يزالان قائمين كدليل على مجدها السابق.

 

 

◄ الجبرتي وحارة الصنادقية

أحد أبرز الشخصيات التي ارتبطت بحارة الصنادقية هو المؤرخ الشهير عبد الرحمن الجبرتي؛ عاش الجبرتي في منزل رقم 15 بالحارة، وسجل في كتبه أحداثًا هامة خلال فترة حكم العثمانيين لمصر وحملة نابليون؛ يُعد الجبرتي مرجعًا مهمًا لفهم تاريخ القاهرة في تلك الفترة، ووجوده في الحارة يعزز من قيمتها التاريخية.

 

 

◄ مركز تجاري وثقافي

من جانبه، أشار الباحث الأثري د. محمد عبد الحميد، المتخصص في دراسة القاهرة الفاطمية، إلى أن حارة الصنادقية تمثل جزءًا مهمًا من التراث المصري، ليس فقط لصناعاتها الحرفية الفريدة، بل أيضًا لدورها كمركز تجاري وثقافي على مر العصور؛ إن الحفاظ على هذا التراث يمثل تحديًا كبيرًا في ظل التغيرات العمرانية الحديثة.

 

◄ زقاق المدق

يتفرع من حارة الصنادقية “زقاق المدق”، والذي ذاع صيته بعد رواية الأديب نجيب محفوظ التي تحمل نفس الاسم؛ الرواية سلطت الضوء على الحياة اليومية في القاهرة القديمة، وتحديدًا على شخصيات الزقاق التي أصبحت جزءًا من التراث الشعبي المصري؛ تم تصوير الفيلم المستند إلى الرواية، الذي جسدت فيه الفنانة شادية شخصية حميدة، وهو يعكس الحياة في الحارة بشكل حي.

 

 

◄ الحارة اليوم

مع مرور الزمن، تغيرت ملامح حارة الصنادقية، إلا أن بعض المعالم التاريخية ما زالت قائمة مثل المقهى التقليدي والفرن القديم. ورغم أن بعض المباني تحولت إلى آثار، فإن الحارة لا تزال تحتفظ بجزء من هويتها التاريخية، وتجذب الزوار الذين يبحثون عن عبق الماضي.

 

تعتبر حارة الصنادقية جزءًا من التراث الحي للقاهرة القديمة، إذ تجمع بين التاريخ العريق والحرف التقليدية التي بدأت بالاندثار. على الرغم من التحديات التي تواجه الحفاظ على هذا التراث، فإن الحارة تظل شاهدة على تاريخ غني وصناعات كانت تعد جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية للمصريين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى