عاجلمقالات

سامح عبد الغني يكتب: المكان الحقيقى لدفن العارف بالله

لا تزال الحكايات المصرية القديمة تبوح بأسرارها، وفى مصر أصل الحكاية، فمن عبير رحيق الزمان يتكشف لنا بين الحين والآخر سر من الأسرار يغير مجرى الأحداث ويثير فضول الباحثين والدارسين وحتى المواطنين العاديين من جميع أنحاء العالم، فمن خلف القصص تتولد قصص أخرى، ومن جدران المعابد والمقابر تتخلد الحكايات، ومن هذا المنطلق نكشف  بالخرائط سرًا جديدًا من أسرار التراث القديم، حول شخصية العارف بالله والذى عرف بين المصريين بـ”سيدى الذوق”، والذى ارتبط بالمثل الشعبى الشهير “الذوق ما خرجش من مصر”.

 

حكاية الضريح

ضريح صغير، يوجد أسفل سور القاهرة الفاطمى الشمالى، فى شارع المعز، ملاصقًا للجانب الأيمن لبوابة الفتوح التاريخية، تجذبك قبته الخضراء الصغيرة، وهلاله الصغير، مكتوب عليه “ضريح العارف بالله سيدى الذوق”، وهو المقام الذى ارتبط بالمثل الشعبى الشهير “الذوق ما خرجش من مصر”.

 

ما ذكرته كتب التراث

بحسب “موسوعة تراث مصرى الجزء الثانى” للكاتب أيمن عثمان، تعود حكاية “الذوق” إلى عصر المماليك فى مصر، وكان الذوق تاجرًا فى منطقة الحسين، اسمه حسن الذوق، والذوق ليس لقب العائلة، بل صفة اكتسبها الرجل، فكانت هذه الفترة يلقب الأشخاص بالصفات التى عرفوا بها، مثلما حدث مع محمد بك أبو الدهب، فاللقب الأخير صفة تميز بها لأنه نثر على الناس ذهبا فرحا بتوليه ولاية مصر.

 

حكاية المثل الشعبى الشهير.. الذوق ما خرجش من مصر

كان “الذوق” رجلا كريمًا ومحبوبًا من الجميع، وكثيرًا ما تدخل لفض نزاعات الفتوات، ويصلح بينهم، لكنه فشل ذات مرة فى ما كان ينجح فيه سابقًا، وتطور النزاع بين الفتوات إلى صراع دموى، وغضب منهم “الذوق” وقرر هجرة الحى بأكمله عقابا لهم على تجاهل قيمته، وعندما اقترب من باب الفتوح حاملا متاعه، سقط ميتا بفعل حزن الفراق، فتجمع محبوه، ودفنوه فى مكان سقوطه يمين باب الفتوح من الداخل، ووضعوا على قبره الصغير تعريفا “ضريح العارف بالله سيدى الذوق”، ومن بعده كلما تصارع الفتوات ووصل إلى صراع دموى يخرج أحدهم صارخًا “يا جماعة عيب.. ده الذوق ما خرجش من مصر” بمعنى أن الذوق مدفون بيننا.

 

الكشف عن خرائط تثبت عدم وجود قبر العارف بالله فى شارع المعز

وكانت المفاجأة خلال بحثنا حول الحكايات والأسرار المصرية والتراثية، عن مقام العارف بالله الباحث والأثرى شريف فوزى منسق عام شارع المعز بوزارة السياحة والآثار، والذى فجر سرا حول مقام سيدى الذوق.

 

كشف شريف فوزى، أن الذوق لم يدفن فى هذا المكان، مما أثار اهتمامنا كونه مغاير لكلام الأثريين والمؤرخين السابقين والحاليين أيضا، وهو ما دفعنا لأن نسأله عن أدلته فى البحث، ليبوح لنا بكل التفاصيل عبر الخرائط والأدلة.

 

ويقول شريف فوزى، فى بحثى تناولت التراث الشعبى الحكواتى أو الحكى والقصص لمقام ما يعتقد أنه “سيدى الذوق” أسفل بوابة الفتوح بشارع المعز بالجمالية بالقاهرة، والذى يمر عليه ليل نهار زوار وسكان الشارع السياحى الأكبر والأعظم، ذلك المتحف المفتوح للآثار ليس فى مصر فقط بل فى العالم الإسلامى، فرغم عدم وجود مصادر تاريخية تتحدث عن سيدى الذوق ومن هو والاعتماد على الحكى الشعبى والذى أصبح جزءا من تراث المنطقة اللامادى بجانب الآثار وهى التراث المادى.

 

الأدلة والخرائط

وأضاف شريف فوزى أنه بمراجعة خرائط للجمالية مسحت عام 1911 وروجعت عام 1932 بمصلحة المساحة المصرية وخريطة أخرى مسحت عام 1937م، يتضح لنا المفاجأة أن المقام أو القبة الموجودة أسفل باب الفتوح “لا تخص سيدى الذوق” لكنها “تخص الشيخ سعيد” والذى أسماه العلامة الباحث والمؤرخ الراحل فتحى الحديدى فى كتابه دراسات فى مدينة القاهرة منطقة قسمى الجمالية ومنشية ناصر بين الماضى والحاضر ذكره باسم الشيخ سعيد بن الهايج.

 

كما أوضحت الخرائط حسب بحث الأثرى شريف فوزى أن مقام “الذوق” كان أسفل باب النصر وليس باب الفتوح وهو حاليًا مندثر، كما اندثر مقام سيدى الساعى ومقام سيدى محمد الواقف أمام جامع الحاكم كما يظهر بالخريطة.

 

وأضاف أنه بالرجوع لخريطة الحملة الفرنسية للقاهرة بوابتى “النصر والفتوح” تحديدًا لا يوجد ذكر لمقام الذوق فيهما فى ذلك الوقت، كما أنه ليس لدينا معلومات عن من هو سيدى الذوق أو الشيخ سعيد، ونظرًا لعدم وجود معلومات عنهما تاريخيًا فيما أمكن الاطلاع عليه من مصادر.

 

ولكن الجديد هنا تحديد مكان مقام سيدى الذوق بباب النصر وليس باب الفتوح كما هو دارج وأنه اندثر مع غيره من مقامات بالمنطقة، ولأن كثير من الناس غير المختصين بالآثار يخطئون بين التمييز بين بوابتى النصر والفتوح ومنهم من يطلق على باب الفتوح باب النصر فربما نقل معهم مسمى مقام الذوق من باب النصر على المقام الموجود أسفل باب الفتوح والمسمى الشيخ سعيد، والذى أرجح أنه هو وسيدى الذوق من الأولياء الصوفيين وظهر مقامهما بالمنطقة ربما فى أواخر القرن 19 أو أوائل القرن 20 م، حيث من المعروف دفن بعض الأولياء أسفل بوابات المدينة فهناك أسفل بوابة زويلة والتى تشتهر باسم المتولى نسبة لقطب شهير اسمه المتولى كان مدفونا أسفلها وذكرته أحجبة ورقية عثر عليها أثناء ترميمه تذكر اسمه القطب المتولى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى