تعد محافظة شمال سيناء، من أهم الأماكن التاريخية في مصر التي تمتد علي رمالها وبين جبالها مسارات لعددا من الطرق القديمة التي تشهد على فترات من التاريخ البشري، وخاصة في العصرين المسيحي والإسلامي، فضلاً عن العصور الفرعونية، هذه الطرق ليست مجرد مسارات كانت تسلكها القوافل والجيوش في العصور القديمة، بل هي شاهدة على أحداث هامة شكلت تاريخ المنطقة ومصر بأسرها، في هذا التقرير نعرض أبرز الطرق التاريخية في شمال سيناء، والتي تروي قصصًا مدهشة عن الماضي وتؤكد على أهمية هذه المنطقة التاريخية في مختلف العصور.
يعد طريق العائلة المقدسة من أبرز المعالم السياحية والدينية في محافظة شمال سيناء، وهو يعد جزءًا من مسار طويل يعود إلى بداية القرن الأول الميلادي، حيث شهد مرور العائلة المقدسة “السيدة مريم العذراء والسيد المسيح ويوسف النجار”، أثناء هروبهم من اضطهاد هيرودوس. الطريق الذي يمتد بمحاذاة البحر المتوسط يحمل إرثًا دينيًا تاريخيًا فريدًا ويشمل أكثر من 25 نقطة رئيسية، منها كنائس وأديرة وآبار مياه وأيقونات قبطية تؤكد مرور العائلة المقدسة في هذه المناطق.
وتبدأ رحلة العائلة المقدسة في مدينة رفح، التي تقع في أقصى الشمال الشرقي لمصر، حيث مروا عبر الفرما “التي هي الآن بين العريش وبورسعيد”، وصولًا إلى سخا في كفر الشيخ و تل بسطا في الشرقية. بعد ذلك، تابعت العائلة المقدسة طريقها نحو وادي النطرون في الصحراء الغربية، حيث الأديرة الشهيرة مثل دير الأنبا بيشوي ودير السيدة العذراء السريان. في طريقها، توقفت العائلة المقدسة عند مسطرد و المطرية حيث توجد شجرة مريم الشهيرة، ثم واصلت رحلتها حتى صعيد مصر، حيث توقفت في جبل الطير بالمنيا وأخيرًا إلى دير المحرق في أسيوط.
يعد هذا المسار من أطول المسارات الدينية في العالم، حيث يمتد لمسافة 3500 كيلومتر ذهابًا وإيابًا، من سيناء إلى أسيوط، أصبح الآن جزءًا من المشروع القومي لإحياء مسار العائلة المقدسة، والذى يهدف إلى تحويله إلى معلم سياحي ضخم يجذب السياح من مختلف أنحاء العالم ويعزز السياحة الدينية فى مصر.
ويمثل طريق الفتح الإسلامي جزءًا رئيسيًا من تاريخ الفتوحات الإسلامية في مصر، ويعد من أبرز المعالم التاريخية التي تروي قصة تحرير مصر من الحكم البيزنطي، هذا الطريق سلكه القائد عمرو بن العاص في عام 639م، حيث بدأ من رفح على الحدود الشرقية لمصر، مرورًا بـ الشيخ زويد، العريش، الفرما، ثم وصل إلى حصن بابليون في القاهرة.
كانت الفرما نقطة استراتيجية هامة، حيث شهدت معركة فاصلة بين الجيش الإسلامي والقوات الرومانية التي كانت تدافع بشراسة لحماية المدينة. ورغم قوة الحصن الدفاعي، استطاع المسلمون بقيادة عمرو بن العاص هزيمة القوات الرومانية بعد معركة استمرت حوالي شهر، وبعد فتح الفرما، تابع الجيش الإسلامي تقدمه نحو بلبيس، ثم توجه إلى أم دنين قبل الوصول إلى حصن بابليون، حيث دارت آخر المعارك التي أسفرت عن فتح مصر بالكامل.
الطريق التاريخي يمثل اليوم أحد أقدم طرق الفتح الإسلامي في العالم، ويسعى المشروع المصري لتطويره عبر تحسين البنية التحتية وإنشاء متاحف ومراكز للزوار في المواقع الرئيسية على الطريق، ما يعزز السياحة الدينية والتاريخية في المنطقة.
ويعد طريق الحج الإسلامي من أهم الطرق التاريخية في العالم الإسلامي، حيث كان يربط مصر بالأراضي المقدسة في الحجاز، وكان الحجاج المصريون يسلكون هذا الطريق منذ العصور الإسلامية المبكرة وصولًا إلى بداية القرن العشرين، حيث كانت قوافل الحجاج تتحرك عبره في رحلات شاقة تستغرق عدة أشهر، والطريق يمتد عبر صحراء سيناء، ويشمل مناطق جبلية وصحراوية مر بها الحجاج المصريون والعرب، مرورًا بمناطق مثل قلعة نخل و أطلال آثار السلطان قنصوة الغوري.
كان الطريق مقسمًا إلى ثلاث مراحل رئيسية، تبدأ من القاهرة حتى عجرود، ثم من عجرود إلى نخل، وأخيرًا من نخل إلى عقبة أيلة.
وشهد هذا الطريق العديد من المحطات المهمة التي كانت تضم قوافل الحجاج من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك حجاج من الأندلس و المغرب و السودان، إضافة إلى المصريين.
شهد الطريق فترة ازدهار كبيرة في العهد المملوكي، حيث بذل سلاطين المماليك جهدًا كبيرًا لتطويره وحمايته. كما شهد الطريق توافد “المحمل المقدس” سنويًا، وهو القافلة التي تحمل كسوة الكعبة المشرفة. وحتى مع تراجع استخدام الطريق في القرن العشرين نتيجة للثورات التكنولوجية ووسائل النقل الحديثة، يظل هذا الطريق شاهدًا حيًا على تاريخ الحجاج المصريين والعرب وأثره في العالم الإسلامي.
ومن أقدم الطرق التاريخية التي مرت عبر سيناء، طريق حورس الفرعوني، الذي يمتد من قلعة ثارو بالقرب من القنطرة شرق حتى رفح، هذا الطريق كان جزءًا من حملات الملوك المصريين تجاه الشرق، واستخدمه العديد من الملوك في حملاتهم العسكرية والتجارية، ولعب الطريق دورًا مهمًا في تحفيز التجارة بين مصر وبلاد الشام، كما كان شاهداً على بعض من أرقى المعالم الحضارية في العصور الفرعونية.
يُعد طريق حورس أيضًا ذا أهمية ثقافية كبيرة، إذ يربط بين العديد من المعالم الأثرية مثل قلعة ثارو ونقوش حورس، التي تُعد من أقدم النقوش التاريخية في مصر القديمة.