
تبقى الحضارة الفرعونية من دون شك مصدر شغف وافتتان، شرقاً وغرباً، وخصوصا عند الفرنسيين، بدءا من حملة نابليون بونابرت وفك رموز الكتابة الهيروغليفية، وصولا إلى مسلة الأقصر فى ساحة الكونكورد، فى باريس، إلى المعارض التى تجذب ملايين الزوار، ليتمتعوا بمشاهدة الحضارة المصرية العريقة وما بها من آثار خالدة حيث تكون هذه المعارض مجرد نبذة بسيطة عما تركه الأجداد، مما يزيد من شغفهم لزيارة مصر والتعرف عن قرب عن الحضارة المصرية القديمة وزيارة الأماكن التى جاءت منها هذه القطع الأثرية.
ماكرون خلال زيارة المتحف المصرى الكبير
وظهر ذلك من خلال حرص الرئيس ماكرون على زيارة المتحف المصرى الكبير، والتى جاءت ضمن أولى محطاته فى زيارته إلى مصر، وأبدى الرئيس الفرنسي انبهاره بالتنظيم الدقيق وطريقة عرض أكثر من 50 ألف قطعة أثرية، بينها المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون، كما وقف طويلًا يتأمل تمثال رمسيس الثاني، متأثرًا بعظمة الحضارة المصرية، ومشيدًا بالجهود المبذولة في الحفاظ على التراث.
ماكرون فى معبد أبو سمبل
وفى يناير عام 2019، حرص أيضا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وزوجته قبل زيارتهما القاهرة، على القيام بجولة سياحية في معبدي أبوسمبل بمحافظة أسوان .
وأعرب الرئيس الفرنسي وزوجته عن بالغ الإعجاب بصنيع يد الحضارة الفرعونية مبديان تقديرهما لتلك الحضارة العظيمة .
ماكرون خلال زيارته معبد أبو سمبل
وتعد فرنسا من أكثر الدول الأوربية اهتمامًا بالحضارة المصرية القديمة، حيث تجذب المعارض الفرعونية فى باريس مئات الالاف من الزوار، فعلى سبيل المثال معرض “توت عنخ آمون: كنز الفرعون” الذى أقيم عام 2019 في باريس، والذى سجل رقما قياسيا واستقطب 1.42 مليون شخص شغوف بالحضارة المصرية، ومعرض “رمسيس وذهب الفراعنة” والذى حقق نجاحا كبيرا فى جذب عدد هائل من الزوار.
كما تضم فرنسا الكثير من المتاحف التي تعرض آثارًا مصرية في أغلب مدنها، بالإضافة إلى متحف اللوفر الذي يعتبر من أهم المتاحف العالمية التي تعرض فنون الحضارة المصرية القديمة والذي يظهر أيضًا شغف الشعب الفرنسي بالحضارة المصرية.
ماكرون فى المتحف الكبير
وفى ضوء ذلك نجد أن ماكرون ليس أول رئيس فرنسي يقع في هوى الآثار الفرعونية بل سبقه الرئيس الراحل فرانسوا ميتران الذى كان مغرما بمصر الذي كان يحرص على قضاء عطلات الكريسماس فى أسوان وزار مختلف المواقع الأثرية في عدة محافظات مصرية أبرزها كذلك دير سانت كاترين في سيناء،
فرانسوا ميتران
وعندما اشتد عليه المرض – بعد أن ترك مقعد الرئاسة – صمم على زيارة أسوان قبل رحيله عن عالمنا بأيام قليلة.
وكذلك الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزى قضى الكثير من العطلات في الأقصر برفقة زوجته، سواء خلال وجوده في الحكم أو بعد مغادرته قصر الإليزيه.
ساركوزى يستمتع بالرحلات النيلية فى الأقصر
ففى عام 2022 وفى زيارة مختلفة، عن زياراته السابقة إلى مصر، زار الرئيس الفرنسى الأسبق نيكولا ساركوزى وأسرته منطقة أهرامات الجيزة، فى إطار زيارة استمتعوا خلالها بمقوماتها السياحية والأثرية، وتوقف “ساركوزى” وأسرته أمام عظمة وشموخ الأهرامات وأبو الهول، والتقطوا العديد من الصور الفوتوغرافية، لتسجيل تلك اللحظات التاريخية، وقد زار الرئيس الفرنسى الأسبق وأسرته، أيضا عددا من المواقع السياحية والأثرية بمدينتى الأقصر وأسوان فى بداية رحلتهم السياحية فى مصر فى ذلك الوقت.
ساركوزى وأسرته أمام الاهرامات
وليس هذا فحسب، بل إن كشف لغز اللغة الهيروغليفية يعود إلى العالم الفرنسي فرانسوا جان شامبليون رنسي الذي يعتبر أحد واضعي أسس علم المصريات، حيث ظهر اهتمام شامبليون بالتاريخ المصري والنص الهيروغليفي في سن السادسة عشرة من عمره، ألقى محاضرة أمام أكاديمية غرينوبل والذي جادل فيها بأن اللغة المحكية من قِبل المصريين القدماء، والتي كتبوا من خلالها النصوص الهيروغليفية، كانت مرتبطة بشدة باللغة القبطية. أثبتت وجهة النظر هذه أنها ذات أهمية في القدرة على قراءة النصوص، وأكد التاريخ على صحة العلاقة المقترحة بين القبطية والمصرية القديمة. مكنه هذا من اقتراح أن النص الشعبي قد مثّل اللغة القبطية.
ومن كلمات شامبليون المأثورة “من بين كل الأشخاص الذين أفضلهم، سأقول بأنه لا أحد عزيز على قلبي كالمصريين”.
وبحسب ما قال قصر الإليزيه سابقا، منذ شمبليون، مؤسس علم المصريات في بداية القرن التاسع عشر، ظلت “الآثار المصرية في قلب العلاقات الفرنسية-المصرية” .
ومن أمثلة تقدير الفرنسيين للحضارة الفرعونية كذلك أن المدخل الوحيد لمتحف اللوفر في باريس يكون عبر هرم زجاجي تم تشييده عام 1999، ويضم اللوفر جناحا خاصا للآثار الفرعونية يقبل عليه آلاف الزوار سنويا، ويعتبر من أشهر أجنحة المعرض، ويعد متحف اللوفر ثاني متحف يمتلك آثار مصرية في العالم بعد المتحف المصري.
وفي 2023، كانت فرنسا محطة من محطات معرض “رمسيس وذهب الفراعنة” الذي جاب 10 مدن فرنسية، واستطاع أن يجذب أكثر من نصف مليون زائر .
وتقديرا لحب الفرنسيين للحضارة الفرعونية تم اختيار تابوت مومياء الملك رمسيس الثاني لعرضه بشكل استثنائي لأول مرة خارج مصر في محطة فرنسا من المعرض وهو ما يأتي تقديرًا لدور العلماء الفرنسيين في تقديم المساعدة والدعم في ترميم ومعالجة مومياء الملك رمسيس الثاني في عام 1976.
وعلى صعيد التعاون المشترك في مجال الحفريات والترميم، تعتبر البعثات الفرنسية من أهم وأكبر البعثات الأجنبية العاملة في مصر، حيث نجحت في اكتشاف الكثير من الآثار الفرعونية، خلال السنوات الماضي.
يذكر أن حجر رشيد الذي كان مفتاح الوصول لترجمة اللغة الهيروغليفية اكتشفه ضابط فرنسي ضمن الحملة الفرنسية على مصر (1798 – 1801).
ويعمل في المواقع الأثرية المصرية حاليا أكثر من 35 بعثة فرنسية كل عام في مختلف المحافظات المصرية، ولا يقتصر دورها على اكتشاف الكنوز الذهبية الفرعونية، أو حياة ملك ما في أحد العصور فحسب، بل تبحث عن تركيبة حياة المصري القديم بشكل خاص، في الاقتصاد والسياسة، وغيرها
ويضم المتحف المصري الكبير بعضا من الاكتشافات الفرنسية، منها البرديات التي تم اكتشافها في وادي الجرف، وبعض القطع المكتشفة في منطقة سقارة.
ويوجد كذلك 3 معاهد علمية فرنسية في مصر هي المعهد الفرنسي للآثار الشرقية IFAO، والمركز الفرنسي المصري لدراسة معبد الكرنك CFEETK، ومركز الدراسات السكندرية CEAlex