عاجلفنمقالات

رضوي السبكي تكتب: وداعًا صلاح السعدني

خبر وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني هو خبر صادم وحزين للوسط الفني بالكامل ولمحبي الفنان الكبير صلاح السعدني، الملقب بعمدة الدراما المصرية فهو من أكثر الفنانين تمتعًا بحب الجماهير علي مدار رحلته الفنية، وهو فنان من نسيج الفن المصري، راسخًا في وجدان الشعب العربي بما قدمه من أعمال، وهو خليط من طبقات الشعب المصري، ومزيج متناغم ما بين الإنسان الشعبي البسيط والفيلسوف العميق.

 

صلاح السعدني هو ابن البلد الذي تجده في كل أدواره قريب من الناس، وهو أحد المعجونين بجمر الألعاب الدرامية الشيقة التي تسمح للمؤدي لأن يكون له بصمة خاصة تبقي في خيال المتلق، ويمتاز أداؤه في معظم الأدوار التي لعبها بخفة الدم المصرية الخالصة، فهو يستعذب الشخصية الدرامية ويدمجها في روحه وثقافته، فهو له مدرسته الخاصة في الأداء المنضبط المتحكم في درجة الانفعال مستخدمًا وجهه كأداة أساسية للتعبير علي أن يلعب الصوت الدور الآخر شديد الأهمية، وهو دومًا في أغلب أدواره موغل في الدور الذي يقدمه يستنطق المجهول من المعلوم والعكس، يقلب الأدوار بتمكن من قمة الغضب الي قمة الضحك من اليأس الي الأمل فهو يجمع ما بين المتناقضات، فهناك شخصيات مصرية قدمها السعدني تعبر أمامنا بعد أن تخرج منه فتشعر أنه يستدعي هذه الشخصيات من مخيلته وذكرياته وكأنها أشباح الأجداد، وأصبح أداؤه لبعض الشخصيات ماركة مسجلة باسمه فعندما نقول العمدة تظهر صورة العمدة سليمان غانم، برغم أن شخصية العمدة قدمها من قبل صلاح منصور، وكما يقال بلغة أهل الفن “قفل الشخصية” لكن صلاح عندما قدم عمدة جاء بعمدة جديد له ملامح ومكونات ولزمات مختلفة عن عمدة “صلاح منصور”، فالتحدي كان بداخل السعدني في كل أدواره.

 

صلاح السعدني كما ذكر عمرو دوارة في دراسة له نشرت في كتاب “صلاح السعدني.. ابن الحلم واليقظة” قال عنه إنه يتميز بصفات وسمات فنية كثيرة لن تجدها في أغلب الفنانين مجتمعة، فهو يجيد أداء الأدوار الميلودرامية والتراجيدية بنفس كفاءة أدائه للأدوار الكوميدية التي برع واشتهر بها، ومتميز في التمثيل باللغة العربية الفصحي بنفس درجة تميزه في التمثيل باللهجة العامية، كما أنه يمتلك الحضور القوي المحبب ويتمتع بذلك التوهج الفني، والتمكن الواضح من مختلف مفرداته الفنية، كما يتمتع بخفة الظل والقدرة علي خلق الابتسامات وتفجير الضحكات وإشاعة جو من البهجة، إضافة إلي حرصه الكبير علي تنوع أدواره وعدم الوقوع في دائرة النمطية أو تكرار بعض الشخصيات الدرامية، ومن أهم سماته كممثل القدرة الكبيرة علي الارتجال بما يتناسب مع المواقف المختلفة مع مهارة عدم الخروج عن أبعاد وملامح الشخصية الدرامية.

 

صلاح السعدني ممثل موهوب بالفطرة وموهبته لا يخطئها أحد، وكانت بداية معرفتي به دوره الذي لم يمح من ذاكرتي في خماسية “الساقية” التي كتبها عبد المنعم الصاوي، فقد لعب دور “الأخرس” بطريقة مؤثرة جدًا حتى أن معظم المتابعين للعمل تصوروا أن ذلك الشاب أخرس بالفعل وذلك لشدة إتقانه للشخصية وإمساكه بتلابيبها من كل جوانبها النفسية والاجتماعية.

 

قدم صلاح السعدني حوالي (35) مسرحية كما ذكر الناقد أحمد خميس الحكيم في كتاب عنه، ومن خلال متابعتي لعدد من أدواره وجدت أن السخرية المعجونة بالكوميديا الموشاة بروحه المرحة القريبة من سهرات السمر الشعبي والحكي الساخر في كل أعماله المسرحية، ويظهر ذلك جليًا في دور “أبوعزة المغفل” في مسرحية “الملك هو الملك” مع المخرج مراد منير وهي المسرحية التي كنت محظوظا لرؤيته فيها علي خشبة مسرح.

 

صلاح السعدني فنان كل الطبقات ومن أفضل المعبرين عن الشخصية المصرية في كل حالاتها، فكل تنويعات الشخصية المصرية وكل مكوناتها بحزنها وسخريتها وغضبها المكتوم وخفة دمها، ورغبتها في الحكي تجدها في هذا الفنان، فرحمه الله ومتعه بالنعيم والسعادة مثلما أسعد الملايين من المحيط إلى الخليج.

 

قدم الفنان الكبير الراحل صلاح السعدني الكثير من الشخصيات والأدوار في أعماله المتعددة ما بين السينما والمسرح والتليفزيون، وهذه الشخصيات لم ولن تمحي من ذاكرة الشعب العربي، فقدم لنا هذا العبقري في فن التشخيص الكثير من الأدوار والشخصيات ما بين الفلاح المتمسك بأصوله والثورجي وابن البلد، وصاحب المبادئ في الأحياء الشعبية، والشهم خفيف الظل، وغيرها من الأدوار لكن سيظل هناك عدة أدوار لا ينساها جمهوره أبدًا لأنها كانت علامات في سجل الدراما ومنها الأسطى حسن في مسلسل “أرابيسك”، و”نصر وهدان القط” فى “حلم الجنوبى”، والعمدة سليمان غانم في “ليالي الحلمية” الذي منح السعدني لقب عمدة الدراما المصرية والعربية.

 

صلاح السعدني هو ابن مسرح الجامعة واستفاد جدًا من هذا المسرح الذي كان وقتها أكاديمية فنون ومعهد لخروج الفنانين وخرج منه فنانين كبار منهم صديق السعدني وهو النجم عادل إمام ومحمود عبد العزيز وغيرهم، أما صلاح السعدني فقد بدأت موهبته في الظهور بعدما التحق بكلية الزراعة ومن قبلها كانت بوادر موهبة في مدرسة السعيدية التي خرج منها الكثير من النجوم مثلها مثل كلية الزراعة أيضًا فقد تعرف السعدني في الكلية علي عادل إمام وسعيد صالح ونور الشريف وبدأت تسطع نجوميتهم فى مسرح الجامعة.

 

صلاح السعدني قدم للسينما أيضًا عددًا لا بأس به من الأفلام وصلت لحوالي 70 فيلمًا منها: (الأرض، الرصاصة لا تزال في جيبي، أغنية علي الممر، طائر الليل الحزين، فتوة الناس الغلابة، مهمة صعبة جدًا، قضية عم أحمد، الموظفون في الأرض، بنات في ورطة، شحاتين ونبلاء، لعدم كفاية الأدلة) وفي المسرح قدم الكثير من الأعمال فهو فنان مسرحي كبير صلاح السعدني كان محبًا جدًا لفن المسرح ولا ينقطع عنه مطلقا وقدم لنا الكثير من الأعمال الرائعة والمتنوعة ما بين مسرح القطاع الخاص ومسرح الدولة، ومن أشهر أعماله المسرحية: (الملك هو الملك) الذي شاركه فيه المطرب محمد منير وحققا بهذا العمل نجاحا أسطوريا وظل يعرض لفترة كبيرة جدًا، كما أنه قدم في مسرح القطاع الخاص مسرحيات مثل: ” باللو باللو” وحققت أيضًا هذه المسرحية نجاحًا كبيرًا وما زالت تعرض عبر القنوات الفضائية ونستمتع بها، وفي مسرح الدولة قدم لنا روائع مسرحية من الاعمال ذات القيمة والمضمون ومنها: زهرة الصبار، ثورة الموتي، الناصر صلاح الدين.

 

للفنان الكبير الراحل صلاح السعدني أحلام فنية كثيرة لم يمهله القدر أن يحققها وكان منها مشروع لتقديم سيرة حياة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وقال السعدني في تصريحات سابقة أنه كان سعيدا بتلك الفكرة لأنه يحترم هذا الرجل ويقدره في الكثير من مواقفه ويقصد الرئيس السادات، وظلت تلك الفكرة عن هذا المشروع تراود السعدني ولكنها لم تحقق علي أرض الواقع.

 

أما عن الشخصية التي صرح انه يرغب في تقديمها فكانت شخصية الرئيس جمال عبد الناصر الذي قال عنه: أعشقه لأنني من أبناء ثورة 23 يوليو، ومؤمن جدًا بتجربته رغم أني ضد وصفي بأني ناصري، لكن جمال عبد الناصر كان حليف الفقراء في مصر، ومنضما بطبعه للعمال والصيادين وأنا أؤيد تماما تجربة العدل الاجتماعي لبناء مصر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى