عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: انتبهوا المراهنات سرطان يدمر عقول الشباب

سرطان جديد عشش داخل عقول الشباب الطامعه لجنى الأموال حيث يجذب الشاب لدخول عالم من الفوضى وخدمات مغرية للرهان حتى وصل الأمر إلي دخول طلاب في حالة اكتئاب وترتب عليه فشل في تحصيل نتيجة مرضية في الثانوية العامة.

 

تنتشر مراهنات كرة القدم في مصر بشكل فوضوي، فيكفي أن تكتب نصف الكلمة على محرك البحث الشهير “جوجل”، حتى تُفتح أمامك مئات السبل والخيارات والإغراءات، للدخول إلى هذا العالم الأسود، الذي يصور لك كرة القدم على أنها “كازينو” كبير، يرتاده عشرات الملايين.

 

وتنمو مواقع المراهنات الرياضية، عبر الانترنت، بشكل أكبر، وتعتمد على توقع نتائج مباريات كرة القدم، وهي متاحة للجميع، ولا تقتصر على الخبراء أو أصحاب المعلومات الرياضية فقط، كما لا ترتبط بسن أو جنس معين، ولا تحتاج حسابات بنكية لتفعيلها، بعدما دخلت المحافظ الإلكترونية كوسيط لإدارة هذه الصناعة، وأيضا لا تحتاج عبقرية ومتابعة دقيقة، لأنها ببساطة تحتوى على معلومات الفرق والمباريات، وتقدم إحصائيات وأحدث التوقعات، كل ذلك للحصول على أموال نتيجة التوقع الصحيح عن طريق الاشتراك بقيمة مالية، والفوز بعد التوقع الصحيح الكثير من المال الذي يشمل ما قام بدفعه وما دفعه غيره من المتسابقين، وعن عمليات السحب والإيداع، فتلك المواقع أتاحت الدفع بمجموعة كبيرة من خيارات الدفع الذكية المتوفرة في البلاد العربية بشكل عام.

عالم من الفوضى وخدمات مغرية للرهان

تطاير عقل أحد الشباب فرحًا أمامي في مقهى شعبي صغير، كما يتطاير دخان “الشيشة” فوق رؤوسنا، حينما سجل فريق كوبنهاجن الدنماركي هدفا فى مرمى مانشستر يونايتد بدوري الأبطال، جنون الشباب بتسجيل ذاك الفريق المغمور هدفه الثاني أمام العملاق الإنجليزي كان مريبًا للغاية مع نهاية الشوط الأول بنتيجة 2-2.

 

الهيستريا التي عاشها هذا الشاب لدقائق سرقت انتباهي أكثر من المباراة نفسها – رغم متعتها – وبدأت التساؤلات تئن فى رأسي.. ما السر الذي يجعل شاباً يشجع كوبنهاجن ويحتفل بتعادله مع اليونايتد إلى هذا الحد؟ فكل انفعالاته مع الأهداف كانت خارج أطوار الكرة وجنونها، لكن هذه التساؤلات لم تبق حبيسة عقلي المضطرب تجاه هذا الشاب، الذى لا تبدو على هيئته “المتعبة”، وملابسه التي يفوح منها رائحة التعب، أنه دنماركيًا حتى يفرح بأهداف كوبنهاجن وكأنه يطفو فوق السحاب.

 

كان هناك سرًا بالتأكيد، فاقتربت منه واستدرجته بفضول زائد، وفهمت حينها أنه راهن على تعادل مانشستر يونايتد وكوبنهاجن بهدفين لكل منهما، وأنه حال نهاية المباراة كذلك، سيربح مبالغ مالية تفوق 15 ألف جنيه من أحد مواقع المراهنات، لن أشرح ما حدث في شوط المباراة الثاني لأنه كان متوقعًا، انهارت أحلام الشاب بتسجيل يونايتد وكوبنهاجن أهدافا جديدة، في مباراة انتهت 4-3 للفريق الدنماركي، وتحول وجه الشاب الضاحك إلى خطوط رفيعة من التجاعيد لا تناسب سنه، وكأنه دخل نفقا عميقًا من الهواجس، المهم، انتهى الموقف وبدأت بعده رحلة هذا التحقيق عن المراهنات.

 

رابحون وخاسرون.. الضحايا يتحدثون

مواقع المراهنات لا تخسر شيئًا، الرابحون يحصلون على ثرائهم من أموال الخاسرين في نفس اللعبة، هذا ما شرحه “أيمن – 45 سنة – مدرس ومقيم بالقاهرة”، بعدما خسر نجله “رامي – 17 سنة” طالب بالثانوية العامة، كل مدخراته والتي فاقت 4000 جنيهًا مصريًا في الرهان على مباراة بكأس العالم 2022 بقطر، والتي جمعت ألمانيا واليابان، وكان من المتوقع أن يكسب هذا الشاب 12 ألف جنيهًا لو خرجت المباراة بالتعادل حسب معدل التنبؤات التي قام بها.

 

يقول أيمن إن نجله دخل في حالة اكتئاب وفشل في تحصيل نتيجة مرضية في الثانوية العامة، والغريب أن هذا الطالب أدمن المراهنات التي يفوز بها مرة ويخسر فيها عشرات المرات، وكأنه يدور في حلقة مغلقة لا يعرف كيف يخرج منها، سوى أن المواقع تربح من تصفحه هو وزملائه لها.

 

كما يقول “لطفي 24 سنة” ، أنه عرف المراهنات عبر الانترنت منذ سنتين، وحتى الآن كسب منها ما يفوق 20 ألف جنيهًا، ورغم خسارته للعديد من المرات إلا أن مكسب واحد كفيل بتعويض هذه الخسائر، مؤكدًا أنه بات يتابع مباريات لفرق لم يسمع عنها من قبل، كما اعتاد الجلوس على المقاهي لمدة 7 ساعات في أيام المباريات.

 

أحمد ربيع “اسم مستعار”، هو الآخر تحدث معنا مبديا أسفه على الدخول لهذا العالم قائلا: “كسب ما يفوق 25 ألف جنيه من المراهنات على كرة القدم، كنت لاعبًا بأحد الأندية الصغيرة وبالتالي معرفتي بكرة القدم كبيرة، لكن بعد كل مكسب كنت أتعرض لمصيبة تبتلع أضعاف ما أكسبه، أصيبت ابنتي في حادث أثناء عودتها من المدرسة وأجريت 3 عمليات فاقت تكلفتها 100 ألف جنيه، لكني كنت أعاند وأرفض الربط بين المراهنات وهذه الابتلاءات التي تأتي بعدها، حتى تمكنت من التوقف عن هذه العادة السيئة بعد معاناة.

 

بينما يرفض أحمد صلاح تصنيف كل التوقعات بأنها مراهنات، موضحا أنه يداوم على لعبة الفانتازي منذ سبع سنوات، وهي لعبة مبنية على التوقعات دون دخول الرهان بالمال فيها، فقط من يربح يحصل على جائزة من ملاك اللعبة، كما أنه يداوم التوقع عبر مسابقات شركات الاتصالات في البطولات المجمعة، وتغريه فكرة التوقع على جميع المباريات الهامة، حتى لو كان ذلك في نطلق الأصدقاء أو الأسرة أو حتى بينه وبين نفسه.

قاتل جردته المراهنات من انسانيته

قد لا تصدق أن هذا السرطان المسمى بالقمار الإلكتروني قاد للقتل، فلم يدر بخلد محمد عبد البديع الطحاوي، 25 سنة من قرية الستاموني بمركز بلقاس بالدقهلية، خريج كلية التربية قسم فيزياء، أن المراهنات ستجعل منه قاتلا بشعًا وتقوده إلى الإعدام، بعدما قتل طالبًا يتلقى درسًا خاصًا لديه في مادة الفيزياء، ولأن الشيطان تمكن من الجاني، والخسارة المريرة من المضاربة على المباريات أوجعت كبريائه، لم يكتفى بالقتل فقط، بل شطر الضحية إلى نصفين، ووضع كل جزء في مكان مختلف، حتى يشتت الأنظار عن كشف جريمته.

 

نحن هنا نتحدث عن القضية رقم 1041 لسنة 2024 جنايات الستاموني، التي انتهت حسب بيان النيابة العامة المصرية إلى ثبوت اتهامِ محمد عبد البديع الطحاوي بجناية قتل الطفل إيهاب أشرف عبد العزيز – 16 عامًا- عمدًا مع سبقِ الإصرار؛ وذلكَ لرغبته في الحصول على فدية من ذَويه.

 

النيابة أكدت في بيانها الرسمي أن المتهم كان يعطي المجني عليه درسًا خاصًا، وما إنْ علِمَ بمقدرة والده المالية؛ ونظرًا لتعرضه لخسارة مالية نتيجة مضاربته عبر أحد المواقع الإلكترونية؛ قام باستدراج المجني عليه وقتله، وقام بإلقاء جثمانه بإحدى الأراضي الزراعية –بعد شطره نصفيْن-، ثم طلب من ذويه فديةً مالية، وأقر المتهم تفصيًلا بالتحقيقات بكيفيةِ اقترافِهِ الجريمةَ والتخطيط والإعداد لها وتنفيذِها، حيثُ انتقل المتهم لتصويرِ محاكاتِه لهذهِ التفصيلاتِ في مسرحِ الجريمةِ أمامَ النيابة العامة.

 

من بوابة المراهنات على مباريات كرة القدم، دخل الشيطان إلى عقل عبد البديع، لدرجة جعلت يقتل الطفل ويمشي في جنازته ويتلقى عزائه ويبكي بدموع التماسيح، بل ويكتب نعيًا عبر حسابه على “فيسبوك” داعيًا له بالرحمة وعلى من قتله – يقصد نفسه – بالبلاء، في نفس الوقت الذي خطط فيه للهدف الذي قتل من أجله، وهو الحصول على فدية حتى يواصل مغامراته في المراهنات، مستغلا في ذلك ثراء والد الضحية.

 

اعتراف يكشف لغز القتل

أحد أقارب الضحية – تحفظ على ذكر اسمه – كشف أن القاتل لم يكن مدرسًا في أحد المدراس، لكنه كان عبقريا في الفيزياء بشهادة العديد من طلابه، وكان يقيم بين قريتي “الستاموني” و “7 ثابت”، ويعطى دروسا لمساعدته على أعباء الحياة، موضحًا أن الجميع كان يتعاطف مع اجتهاده ومثابرته، لكنه كان مدمنًا للمراهنات على كرة القدم منذ سنوات، وربح منها أموالا كثيرة، لكنه بالتأكيد خسر ما هو أكثر، وإلا لما مر بالضائقة المالية التي دفعته لقتل طفل، حتى يتحصل من والده صاحب محل الموبيليا والأثاث المنزلي، على أموال كفدية لتعويض خسائره في المراهنات.

 

بينما نفت إيمان”م”،22 عاما، زوجة القاتل، لليوم السابع، علمها بموضوع المراهنات، لكنها أقرت بأن زوجها كان مدمنًا لمشاهدة المباريات، والانفعال مع نتائجها، قائلة: “نحن تزوجنا من فترة قصيرة، في الأيام الأخيرة قبل الحادث، بدأ يشكو من الديون ويواصل الاستدانة، تراكمت عليه الديون رغم أننا لم نمر بظروف تجبرنا على ذلك، لكنه كان سريع الغضب حينما أناقشه في سبب ديونه، فكنت أكتفي بالسكوت”.

 

وبررت زوجة القتيل أمام النيابة العامة أسباب عدم إبلاغها الأجهزة الأمنية بقيام زوجها بجريمة القتل، قائلة: “يوم 13-2-2024 جاءني بملابسه غارقة في الدماء وأكد لها أن حادث وقع على الطريق، وحاول إنقاذ المصابين فتلطخت ملابسه بدمائهم.

 

اضطراب القمار القهري

وفي هذا الصدد كشفت رشا سلامة، أخصائية إرشاد نفسي وأسري، أن المراهنات في كرة القدم، منها حالات مرَضية تسمى “اضطراب القُمار  القهري”، موضحة أن هناك 3 دوافع لإدمان المراهنات، وهي الدافع المادي الذى يتمثل في سهولة الربح وسرعة الحصول عليه، والدافع النفسي المتمثل في الفراغ الذى يدفع الشباب لشغل وقتهم ويجعلهم فريسة سهلة لتطبيقات القمار، بالإضافة إلي دافع ذاتي وقانوني يتمثل في سرية معلومات المراهن، وحرص برامج المراهنات على عدم معرفة هوية المراهنين.

 

وقالت رشا سلامة أن المراهنات تأثيرها النفسي متفاوت من شخص إلى آخر، فمثلا هناك من يراهن بمبالغ صغيرة للغاية كنوع من الفضول، وهناك من تعلق بالمراهنات وأدمنها، ويضع فيها مبالغ هائلة، موضحة أن هذا النوع من الصعب أن يعود عن طريق المراهنات، ويسمى الاضطراب القهري، حيث يصل لمرحلة مستحيل فيها التعافي، وبالتالي حينما يحاول التوقع يصيبه نوبة من الهلع والتوتر والاكتئاب لأنه لم يحصل على جرعته من المراهنات.

 

وأضافت أخصائية الإرشاد النفسي والأسري أن السلوك في الحالة الثانية يصل لمرحلة مرضية مثل إدمان المخدرات، موضحة أن بعض الحالات تتأثر فيها الصحة العقلية للمراهنين، وهنا لابد من فحص هؤلاء المرضى، وكتابة توصيات طبية، وروشتة علاجية.

 

وأكدت رشا سلامة، أن الحلول لهذه الحالات تتمثل في أهمية التوعية الدينية على أن تأتي من أشخاص يثق فيهم المريض، بالإضافة إلى رغبة في تغيير السلوك من المراهن نفسه، مع مساعدة خارجية من المقربين، ووضع جدول للتعافي تدريجيا مع التركيز على استغلال طاقات المراهن في هواياته المفضلة، وأيضا توافر “النفس الطويل” من المقربين منه في مرحلة الانسحاب التدريجي، وقبل كل ذلك، أهمية دمج الحالة في المجتمع بعد الوصول لنسبة من التعافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى