
في إنجاز تشريعي غير مسبوق، أقر مجلس النواب المصري قانون المسئولية الطبية وسلامة المريض، ليضع حدًا لعقودٍ من الجدل القانوني حول أخطاء الأطباء، وليحقق التوازن العادل بين حقوق المرضى وضمان حماية الأطباء من الملاحقات غير العادلة. هذا التشريع الذي طال انتظاره يعيد صياغة العلاقة بين الطبيب والمريض، ويؤسس لقواعد قانونية حديثة تكفل تحقيق العدالة دون الإضرار بالمنظومة الصحية.
لماذا هذا القانون؟ أزمة طال انتظار حلها
لطالما واجه الأطباء المصريون تحديات قانونية بسبب غياب إطار واضح للمساءلة الطبية، حيث كان أي خطأ طبي، حتى لو كان غير مقصود، يعرّض الطبيب لملاحقات قانونية قد تصل إلى الحبس الاحتياطي. في المقابل، عانى المرضى من غياب آلية واضحة لتعويضهم في حال وقوع خطأ طبي جسيم. هذا الفراغ القانوني تسبب في مخاوف لدى الأطباء وأثّر على جودة الرعاية الصحية، ما جعل إصدار هذا القانون ضرورة ملحّة لإنصاف جميع الأطراف.
الحكومة: خطوة نحو عدالة صحية متكاملة
أشادت الحكومة بالقانون الجديد، مؤكدة أنه يسد ثغرة قانونية كانت تُسبب التباسات في التعامل مع قضايا الأخطاء الطبية. وأوضحت أن وضع قواعد خاصة للمسئولية الطبية سيساهم في تحقيق العدالة بين المرضى والأطباء، كما سيعزز من جودة الخدمات الصحية، ويمنح الأطباء الثقة للعمل في بيئة قانونية عادلة.
وزير الصحة: تحقيق طموح تاريخي للمنظومة الطبية
الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة والسكان، وصف القانون بأنه “تحقيقٌ لطموح تاريخي”، مشيرًا إلى أنه سيغير شكل التعامل مع الأخطاء الطبية في مصر. وأكد أن القانون سيضع ضوابط واضحة تحمي الأطباء من التسرع في الاتهام، بينما تضمن حقوق المرضى وتعويضهم في حالة الضرر.
نقيب الأطباء: حماية الأطباء لا تعني إفلات المخطئ
في تعليقٍ هام، قال الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء، إن القانون الجديد يمثل نقلة نوعية، حيث يحقق توازنًا بين حماية الأطباء وضمان حقوق المرضى. وأضاف أن هذا القانون يمنع الحبس الاحتياطي العشوائي للأطباء، لكنه في الوقت نفسه يضع آليات شفافة لمحاسبة أي طبيب يثبت إهماله أو تقصيره.
أبرز ملامح القانون الجديد
1. لجان فنية متخصصة للفصل في الأخطاء الطبية
سيتم تشكيل لجان من خبراء طبيين متخصصين لمراجعة أي شكاوى متعلقة بالأخطاء الطبية، مما يضمن تقييمًا دقيقًا وعلميًا لكل حالة بعيدًا عن المبالغات الإعلامية أو العاطفية.
2. الحماية من الحبس الاحتياطي التعسفي
لن يتم توقيف أي طبيب احتياطيًا إلا بعد صدور تقرير اللجنة المختصة، مما يحمي الأطباء من الاتهامات العشوائية والملاحقات القانونية غير المبررة.
3. إنشاء صندوق لتعويض المرضى
يضمن القانون تعويض المرضى المتضررين من الأخطاء الطبية دون تحميل الأطباء أعباءً مالية مرهقة، وهو ما يحقق التوازن بين حقوق المرضى وعدم ظلم الأطباء.
4. التفرقة بين الخطأ الطبي والإهمال الجسيم
القانون يضع تعريفًا واضحًا لماهية الخطأ الطبي، ويفرق بين الخطأ غير المقصود والإهمال الجسيم الذي يستوجب المحاسبة القانونية.
5. تشجيع الاستثمار الطبي وتحسين جودة الرعاية
بتوفير بيئة قانونية عادلة، سيُساهم القانون في تحسين جودة الخدمات الصحية، وسيُشجع الأطباء المصريين بالخارج على العودة للعمل في مصر دون الخوف من المساءلة غير العادلة.
ماذا بعد؟ التحدي الأكبر في التنفيذ
رغم الترحيب الواسع بالقانون، يبقى التحدي الأكبر في آلية تنفيذه وتطبيقه العادل، إذ يتطلب نجاحه تعاونًا فعالًا بين الجهات الصحية، والنيابة، والقضاء، لضمان سرعة البت في القضايا الطبية وعدم التباطؤ في تعويض المرضى.
خاتمة: إنجاز تاريخي يليق بمصر
إقرار قانون المسئولية الطبية هو خطوة عملاقة نحو تحقيق العدالة الصحية في مصر، وهو إنجاز يليق بدولة بحجم مصر وبمكانة أطبائها. ومع بدء التطبيق الفعلي، يبقى الأمل في أن يكون هذا القانون نموذجًا يُحتذى به في المنطقة، يضمن حقوق الجميع ويعزز من جودة الرعاية الصحية في البلاد.