يعتبر قانون الإجراءات الجنائية العمود الفقري لأي نظام عدلي، لكنه في مصر أصبح ساحة جدل محتدم بين الحقوقيين، المشرعين، وأجهزة إنفاذ القانون. بمواجهة تحديات الحبس الاحتياطي، استجواب المتهم، وتفتيش المنازل، انشغل مجلس النواب بمهمة صعبة: تفكيك “الألغام القانونية” التي تعوق تحقيق العدالة وتثير مخاوف حقوق الإنسان.
الحبس الاحتياطي: عقوبة قبل الإدانة؟
الحبس الاحتياطي، الذي صُمم كإجراء وقائي لمنع هروب المتهمين أو التأثير على سير العدالة، تحول في بعض الأحيان إلى عقوبة فعلية. هذا الإجراء يثير تساؤلات حقوقية، خاصة عندما يمتد لفترات طويلة دون محاكمة، ما يجعل المتهم يعاني من تقييد حريته قبل أن تثبت إدانته.
مجلس النواب ناقش تعديلات جوهرية لتقليص مدة الحبس الاحتياطي، خاصة في القضايا التي لا تتعلق بالجرائم الخطيرة. من بين المقترحات المطروحة:
- 1. تحديد مدد قصوى للحبس الاحتياطي، بحيث لا تتجاوز 6 أشهر في الجنح، و18 شهرًا في الجنايات، وسنتين في القضايا المتعلقة بالإرهاب.
- 2. إلزام جهات التحقيق بتقديم مبررات قانونية واضحة ومكتوبة عند طلب تمديد الحبس.
- 3. تعزيز رقابة القضاء على قرارات الحبس الاحتياطي لضمان استخدامها بشكل عادل.
تفتيش المنازل: حماية الأمن أم انتهاك الخصوصية؟
يُعد تفتيش المنازل من أكثر القضايا إثارة للقلق، حيث يمس بشكل مباشر حقوق الأفراد في الخصوصية. التعديلات الجديدة تسعى إلى إحكام الرقابة على هذا الإجراء عبر:
ضرورة الحصول على إذن قضائي مسبب قبل الشروع في أي عملية تفتيش.
قصر التفتيش على الجرائم الخطيرة، مع ضمان عدم استغلال هذا الحق لإرهاب المواطنين أو الضغط عليهم.
توسيع ضمانات الحماية للأفراد أثناء التفتيش، بما في ذلك تسجيل عمليات التفتيش بالصوت والصورة لضمان الشفافية.
استجواب المتهم: ضمانات عادلة
الاستجواب هو لحظة مفصلية في مسار العدالة الجنائية، لكنه قد يتحول إلى أداة ضغط تنتهك حقوق المتهم. هنا ركزت التعديلات على:
ضرورة حضور محامٍ أثناء استجواب المتهم.
تسجيل جميع جلسات الاستجواب بالصوت والصورة، لتوفير دليل حاسم على نزاهة الإجراءات.
حظر أي استجواب في غياب محامٍ إلا في حالات الضرورة القصوى، مع إخطار النيابة العامة.
أزمة حبس الصحفيين وقضايا الرأي: طريق نحو الحرية
من القضايا الملحة التي تناولها النواب هي حبس الصحفيين والمدونين بسبب آرائهم أو أعمالهم الصحفية. وقد تم طرح تعديلات تقضي بعدم جواز الحبس في قضايا النشر والرأي إلا إذا كانت التهمة تتعلق بالتحريض على العنف أو تهديد الأمن القومي.
الهدف: عدالة متوازنة وشاملة
هذه التعديلات ليست مجرد نصوص قانونية، بل تعكس رؤية جديدة لمفهوم العدالة الجنائية. فالتحدي الأكبر يكمن في تحقيق التوازن بين حق الدولة في الحفاظ على أمنها واستقرارها، وحقوق الأفراد في محاكمة عادلة تحفظ كرامتهم وحرياتهم.
التنفيذ هو التحدي الأكبر
رغم أهمية التعديلات المطروحة، فإن نجاحها مرهون بآليات التنفيذ. فغياب الرقابة الفعالة والشفافية قد يؤدي إلى استمرار نفس المشكلات تحت مظلة نصوص جديدة.
ختامًا
قانون الإجراءات الجنائية الجديد يمثل خطوة جادة نحو إصلاح منظومة العدالة، لكن نجاح هذه الخطوة يتطلب تعاونًا بين المشرعين، القضاء، والمجتمع المدني لضمان تحقيق العدالة الناجزة التي ينتظرها الشعب المصري.