
في خطوة تاريخية لإصلاح منظومة العدالة الجنائية ومنع هروب المتهمين من المحاكمة، أقر مجلس النواب تعديلات جوهرية على قانون الإجراءات الجنائية، تستهدف سد الثغرات القانونية التي استغلها بعض المتهمين للإفلات من العقاب، مع وضع ضوابط صارمة لحماية حقوق الأفراد وضمان محاكمتهم بعدالة.
القانون الجديد.. رسالة حاسمة للهاربين
لطالما شكّلت الأحكام الغيابية ثغرة قانونية تسمح لبعض المتهمين بالهروب من العدالة، حيث كان بإمكانهم التواري عن الأنظار وتجنب تنفيذ الأحكام لفترات طويلة، ما أضرّ بمصداقية منظومة العدالة. لكن مع التعديلات الجديدة، بات الإفلات من العقوبة أمرًا شبه مستحيل.
القانون الجديد يشترط معايير دقيقة قبل إصدار أمر القبض على المتهم في الأحكام الغيابية، فلا يمكن القبض عليه إلا إذا ثبتت أدلة قاطعة على هروبه العمدي أو محاولته التهرب من العدالة بأي وسيلة. كما يضمن للمتهم الحق في إعادة المحاكمة بحضور محاميه، مع منحه فرصة للطعن على الحكم وفقًا لإجراءات عادلة ومنصفة.
آليات ضبط إصدار أوامر القبض في الأحكام الغيابية
حددت التعديلات آليات واضحة لإصدار أوامر القبض على المتهمين الصادرة ضدهم أحكام غيابية، بهدف تحقيق العدالة دون تعسف، حيث تضمنت القواعد الجديدة ما يلي:
عدم جواز القبض على المتهم الغيابي إلا بقرار قضائي مسبب، يوضح أسباب القبض ووجود أدلة كافية على الهروب العمدي.
إلزام الجهات المختصة بالتحقق من أن المتهم لم يتلقَ إعلانات صحيحة بموعد محاكمته قبل الحكم عليه غيابيًا، وذلك لضمان عدم صدور أحكام دون علم المتهم.
إتاحة الفرصة لإعادة المحاكمة بمجرد القبض على المتهم، لضمان حقه في الدفاع عن نفسه في محاكمة حضورية.
مراجعة أوامر الضبط دورياً من قبل القضاء، لضمان عدم استخدامها بشكل تعسفي أو دون مبرر قانوني.
هذه الضوابط تأتي لضمان عدم استغلال القانون ضد الأبرياء، مع تعزيز قدرة الدولة على ملاحقة المجرمين الحقيقيين ومنعهم من الفرار.
وضع سقف للحبس الاحتياطي.. خطوة لحماية حقوق المتهمين
لم تقتصر التعديلات على ضبط أوامر القبض، بل شملت أيضًا وضع حد للحبس الاحتياطي، وهو إجراء طالما أُثيرت حوله انتقادات باعتباره قد يتحول أحيانًا إلى عقوبة غير مباشرة قبل صدور حكم بالإدانة.
وفقًا للتعديلات الجديدة:
تحديد سقف زمني واضح للحبس الاحتياطي، يمنع بقاء المتهم رهن الاحتجاز لفترات طويلة دون مبرر.
إلزام النيابة العامة بتقديم مبررات قانونية واضحة لكل تمديد للحبس الاحتياطي، وعدم ترك الأمر مفتوحًا دون رقابة قضائية.
مراجعة مستمرة من قبل القضاء لوضع المتهم المحبوس احتياطيًا، لضمان عدم انتهاك حقوقه القانونية.
هذه الإجراءات تهدف إلى تحقيق التوازن بين حق الدولة في تطبيق القانون، وحق الأفراد في عدم التعرض للحبس المطول دون محاكمة عادلة.
تعديلات تعيد الثقة في منظومة العدالة
القانون الجديد يُشكل خطوة جوهرية نحو تحقيق العدالة الناجزة، فهو لا يسمح لأي متهم بالإفلات من المحاكمة عبر الهروب، لكنه في الوقت نفسه يمنع أي تعسف في إصدار أوامر القبض أو التوسع في الحبس الاحتياطي دون مبرر قانوني.
التعديلات الأخيرة تحمل رسالة واضحة:
العدالة ستطال الجميع بلا استثناء، ولن يكون هناك ملاذ آمن للهاربين من المحاكمة.
ضمانات المحاكمة العادلة ستظل ركنًا أساسيًا من أركان القانون، ولن يُسمح باستخدام إجراءات القبض أو الحبس الاحتياطي بشكل ينتهك حقوق المتهمين.
مع هذه الإصلاحات، تدخل منظومة العدالة الجنائية مرحلة جديدة، تُحقق الردع الفعّال للجريمة دون الإضرار بالحقوق الأساسية للأفراد، ما يعزز الثقة في سيادة القانون ويؤكد أن العدالة لم ولن تكون انتقائية.