
في كل مرة نظن فيها أن الدولة قطعت شوطًا طويلًا في معركتها ضد الفساد، تظهر واقعة جديدة لتصفعنا على الوجه وتذكّرنا بأن المعركة ما زالت طويلة، وأن الخونة ما زالوا يتسللون إلى قلب المؤسسات التي يُفترض أن تحمي البلد لا أن تسرقه. آخر هذه الوقائع المريبة، ما كشفته تحقيقات الرقابة الإدارية مؤخرًا عن تورط عدد من مسئولي هيئة “حماية النيل” في قضايا رشوة مقابل ترسية مناقصات.
هي مش بس مناقصة… ده عرض مستمر لتآكل الضمير
القضية أبعد من مجرد رشاوى أو تمرير مناقصات. إحنا بنتكلم عن مؤسسة المفروض إنها بتحمي شريان الحياة في مصر، نهر النيل. واللي حصل هو إن موظفين كبار استغلوا مناصبهم، مش لحماية النهر، بل لنهبه من خلف الستار. باعوا الضمير، وباعوا الوطن، وقبضوا الثمن: رشاوى بمئات الألوف، مقابل تمرير ملفات شركات معينة، على حساب المصلحة العامة، والكفاءة، والسلامة البيئية.
الرقابة الإدارية كانت بالمرصاد… لكن فين رقابة الضمير؟
هيئة الرقابة الإدارية قامت بدورها، وكشفت الواقعة، وجمعت الأدلة، وكمّ هائل من المستندات والتسجيلات اللي بتثبت أن التلاعب ماكنش عشوائي، ده كان ممنهج. شبكة متكاملة، فيها اللي بيقبض، واللي بيسهّل، واللي بيزوّر، وكلهم بيشتغلوا على حساب المال العام.
لكن السؤال الأكبر: فين كان الضمير؟ فين الرقابة الداخلية في الهيئة؟ فين النظام اللي يوقف أي مسئول عند حده قبل ما يوصل إنه “يقبض عمولة” عشان يسيب شركة تكسب؟! إحنا مش محتاجين بس رقابة من فوق، إحنا محتاجين مناعة من جوا.
مش أول مرة… لكن لازم تكون الأخيرة
نفس السيناريو اتكرر قبل كده في جهات تانية. رشوة، تربح، تسهيلات مشبوهة. الفارق هنا إن الجريمة حصلت في مؤسسة مسؤولة عن النيل… يعني الأمن المائي، يعني البيئة، يعني مستقبلنا كلنا. لو النيل اتعرض للتلويث أو الإهمال بسبب مقاول غير كفء، بسبب شغل على الورق بس، فإحنا بنتكلم عن كارثة وطنية مش بس مالية.
مش وقت المجاملات… لازم عقاب رادع ومعلن
اللي حصل لازم يقابل بعقوبة قاسية، علنية، وواضحة. مش بس عشان نرضي الرأي العام، لكن عشان نوصل رسالة لكل موظف ممكن يفتح عينه على الفساد: “انت مراقب… وهتتحاسب”. لازم الناس تشوف إن الدولة فعلاً بتحمي فلوسها، ومش هتسيب المؤسسة تدار من عصابات مصالح.
لو سمّينا الأمور بأسمائها، فإحنا مش قدّام موظفين مرتشين… إحنا قدّام خونة. باعوا الأمانة وخانوا القسم. الدولة عليها دور، وبتقوم بيه. لكن المعركة مش هتخلص إلا لما كل مؤسسة تحط في وشها مراية وتشوف: هل إحنا فعلاً بنخدم بلدنا؟ ولا بنخدم نفسنا؟
اللي حصل في “حماية النيل” لازم يكون جرس إنذار… جرس عالي وصريح:
الفساد ملهوش مكان تاني في بلد بتحارب علشان تقوم.