على أطراف المدن وفي الزوايا النائية، حيث يختبئ الطمع خلف الجدران المتهالكة، تُدار مصانع “بير السلم” التي تطبخ في أوانيها مواد مجهولة المصدر لتُغلف وتُزين بعلامات مقلدة تحمل بريق الأسماء العالمية.
هنا، يُصنع الجمال المغشوش، ويتناثر ضرره في الأسواق، حيث تُباع هذه المنتجات بأسعار رخيصة تُغري جيوب المواطن البسيط، لكنها تُهدد صحته.
وزارة الداخلية، التي لطالما مثلت درعاً للمجتمع، أطلقت حملات مكبرة خلال الأشهر الماضية، لتقويض هذا العالم المظلم، ففي قلب القاهرة، تم ضبط مصنع غير مرخص يُنتج مستحضرات التجميل بمواد خام مجهولة المصدر، تُعبأ باستخدام ماكينات بدائية وتُعد لتصبح “منتجاً” يبيع الوهم لزبائنه.
اعترف المتورطون بجريمتهم، وأوضحوا كيف استغلوا الشغف بالجمال والطمع في الثراء السريع ليجنوا أرباحاً غير مشروعة على حساب صحة المستهلكين.
لكن ما الذي يدفع السيدات إلى الإقبال على هذه المنتجات، رغم تحذيرات الأطباء وخبراء التجميل؟ الجواب يكمن في سعرها المنخفض الذي يتحدث بصوت أعلى من نصائح السلامة.
“رخص الأسعار يغلب جودة المنتج”، تقول إحدى السيدات، وهي تجسد حالة التردد المستمرة بين الرغبة في التجميل والخوف من التكاليف الباهظة للمنتجات الأصلية.
ومع كل زجاجة عطر مغشوش أو عبوة كريم رخيص، تكمن مخاطر صحية تتراوح بين التهابات الجلد، والحروق، وحتى الأمراض المزمنة مثل سرطان الجلد. خبيرة تجميل تؤكد: “الميكب المغشوش ليس مجرد مستحضر سيئ الجودة؛ إنه سم قاتل”.
تكشف هذه القضية عن مشكلة أعمق: غياب الوعي وانتشار ثقافة الاستهلاك الرخيص، فالسيدات اللواتي يقعن ضحايا لهذه المنتجات غالباً ما يفتقدن للبدائل أو الثقة في خيارات أكثر أماناً، بينما يبقى المتورطون في هذا النشاط الإجرامي متمرسين في استغلال نقاط الضعف المجتمعية.
الأجهزة الرقابية تواصل ملاحقة هذا الخطر، لكن الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر من ضبط المصانع ومصادرة المنتجات.
هناك ضرورة ملحة لإصدار تشريعات صارمة تُجرم التعامل مع المنتجات غير المرخصة، وتشدد الرقابة على الأسواق، مع إطلاق حملات توعية تكشف حقيقة هذه المنتجات وأضرارها على الصحة العامة.
“الجمال الحقيقي لا يُقاس بسعر المنتج، بل بجودته وأمانه”، هذا ما يجب أن يصبح شعاراً لكل سيدة تفكر في شراء مستحضرات التجميل، فالطريق إلى مظهر جميل لا يجب أن يمر عبر مصانع الظلام التي تبيع الوهم وتترك خلفها آلاماً يصعب الشفاء منها.
يبقى التحدي قائماً: كيف نعيد بناء ثقة المستهلك، ونقضي على سوق مستحضرات التجميل المغشوشة؟ الإجابة تبدأ بتكاتف الجهود بين الأجهزة الأمنية، والمجتمع المدني، والإعلام، ليصبح “جمالنا الحقيقي” عنواناً للأمان والوعي.