
بينما ينتظر المسلمون في كل أنحاء العالم شهر رمضان المبارك كفرصة للروحانيات والسكينة، يعاني سكان العديد من المدن المصرية من ظاهرة تهدد قدسية هذا الشهر، ألا وهي الاستخدام العشوائي والخطير للألعاب النارية.
لا يكاد يمر يوم في رمضان دون أن تصدح سماء المدن بأصوات انفجارات تشبه أصوات القنابل، خاصة في أوقات الإفطار والسحور، مما يحول لحظات الصفاء والعبادة إلى لحظات رعب وترقب.
رعب في المنازل والشوارع.. والضحايا بالعشرات
الأمر لم يعد مقتصرًا على الإزعاج فقط، بل أصبح يشكل خطرًا حقيقيًا على حياة المواطنين. ففي العديد من الأحياء الشعبية، تحولت الشوارع إلى مسارح حرب مفتوحة، حيث يستخدم الأطفال والمراهقون الألعاب النارية في اشتباكات عنيفة، غير مدركين لعواقبها الكارثية.
“لم نعد نستطيع الجلوس في بيوتنا بهدوء، في أي لحظة قد تنفجر قنبلة صوتية بالقرب منك، تجعل قلبك ينخلع!”، هكذا عبر الحاج عبد الله حسن، أحد سكان منطقة المطرية، عن معاناته اليومية مع هذه الظاهرة.
ويضيف: “ابني الصغير أصيب بحروق في يده بسبب شرارة من إحدى الألعاب النارية التي ألقاها أحد الأطفال في الشارع”.
في حي شبرا، أصيب شاب في العشرينات من عمره بحروق من الدرجة الثانية بعد أن اشتعلت ملابسه نتيجة انفجار مفرقعة بالقرب منه.
بينما في مدينة نصر، وقعت مشاجرة بين مجموعتين من الشباب بسبب استخدام الألعاب النارية، وانتهت بإصابة ثلاثة أشخاص ونقلهم إلى المستشفى.
سوق سوداء رائجة.. وتجار كبار وراء انتشارها
ورغم الحملات الأمنية المكثفة، لا تزال الألعاب النارية تجد طريقها إلى الأسواق، حيث تنشط تجارة هذه المواد المحظورة عبر وسائل غير قانونية، سواء عبر التهريب أو البيع في الأسواق الشعبية، بل وحتى عبر الإنترنت.
مصادر أمنية أكدت أن بعض التجار الكبار يقفون وراء هذه التجارة المربحة، حيث يتم تهريب كميات ضخمة من الألعاب النارية من دول آسيوية، ثم يتم توزيعها على الباعة الجائلين والمحال الصغيرة في مختلف المحافظات.
“نلاحق تجار الألعاب النارية ونصادر كميات كبيرة منها يوميًا، ولكن المشكلة أن هناك من يعيد إدخالها إلى السوق بسرعة رهيبة”، يقول أحد المسؤولين في وزارة الداخلية، مشيرًا إلى أن العقوبات الحالية لم تعد كافية لردع المهربين والمروجين.
قانون رادع.. ولكن التنفيذ يحتاج إلى حسم
ورغم أن القانون المصري يجرم الاتجار بالألعاب النارية، إلا أن انتشارها الواسع يشير إلى وجود ثغرات في آليات الرقابة والتنفيذ. ويطالب خبراء بضرورة تشديد العقوبات على كل من يثبت تورطه في هذه التجارة غير المشروعة، مع تكثيف حملات التوعية بمخاطر هذه المواد، خاصة بين الأطفال والمراهقين.
نداء عاجل للحكومة والمجتمع
يحتاج الأمر إلى تكاتف مجتمعي واسع، فالمسؤولية لا تقع على الحكومة وحدها، بل يجب على الأسر أيضًا أن تلعب دورًا في توعية أبنائها بخطورة هذه الألعاب القاتلة.
كما يجب على المدارس والمساجد ووسائل الإعلام تكثيف حملات التوعية، حتى لا يتحول رمضان إلى موسم للحوادث والمآسي بدلًا من أن يكون شهرًا للهدوء والعبادة.
حتى ذلك الحين، سيظل صوت الانفجارات في الشوارع يطارد الصائمين، وستظل أرواح الأبرياء معرضة للخطر، حتى تتغير العقليات وتُحكم السيطرة على هذه الظاهرة التي باتت تهدد أمن المجتمع وسلامته.