
على مدار عقود، عاش صعيد مصر في كابوسٍ من العنف والدم، أبطالُه وحوشٌ بشرية لا تعرف الرحمة، تربّعت على عرش الجريمة، ناشرةً الرعب في كل زاويةٍ من الجنوب. أُطلق عليهم لقب “الخُط”، وكانوا ملوكًا غير متوجين على عروشٍ من الدم والجثث، يقودون عصابات مسلحة لا تعرف سوى لغة القتل والسلب والنهب.
منذ عهد محمد منصور، أول من حمل هذا اللقب المرعب، وحتى محمد محسوب، الذي سقط أخيرًا برصاص الأمن، كانت مسيرة “الخُطوط” سلسلةً من الجرائم المروعة التي تحوّلت إلى أسطورة سوداء، تلاحق الأبرياء بالموت والخوف والدمار. لكن اليوم، وبعد سنواتٍ من الصراع، أُسدل الستار على آخر “خُط”، بعد معركة نارية لم تبقِ ولم تذر.
“الخُط” الأول.. بداية عهد الدم
بدأت حكاية “الخُط” في بدايات القرن العشرين، حين ظهر محمد منصور، رجلٌ بلا قلب، سفاحٌ بلا ضمير، قاد عصابةً مسلحة بثت الرعب في كل بيتٍ بصعيد مصر. كان يقتل بدمٍ بارد، ينهب القوافل، يفرض الإتاوات على الأهالي، ويقف متحديًا الأمن، وكأنه ملكٌ لا يُقهر.
لم يكن منصور مجرد مجرم، بل كان وحشًا متعطشًا للدماء، يغرس الخوف في نفوس الجميع. تقول الحكايات إنه كان يذبح ضحاياه كما تُذبح النعاج، يعلّق رؤوسهم على الأشجار، ويترك جثثهم تتعفن على الطرقات، ليكونوا عبرةً لمن يعترض طريقه. استمرت جرائمه لسنوات، حتى نجحت قوات الأمن في القضاء عليه، لكن موته لم يكن النهاية، بل البداية لجيل جديد من السفاحين.
“الخُط” الجديد.. وحش أخطر من سابقيه
بعد مقتل منصور، لم تمت أسطورة “الخُط”، بل تحوّلت إلى لعنةٍ تتجدد مع كل جيل. ظهر من بعده مجرمون أكثر وحشية، كل منهم يسعى لانتزاع اللقب، ليصبح سيد الإجرام في الصعيد. كان هناك “خط أبوتشت”، “خط نجع حمادي”، “خط أسيوط”، وكل واحدٍ منهم كان وحشًا بحد ذاته.
لكن أخطرهم جميعًا كان “محمد محسوب”، الذي حمل على عاتقه إعادة إحياء إمبراطورية الجريمة. محسوب لم يكن مجرد مجرم، بل كان سفاحًا مخضرمًا، يخطط بدقة، يتحرك بحذر، ويتخفى في الجبال والكهوف كما لو كان شبحًا لا يُمسك به.
كان محسوب يذبح خصومه بلا رحمة، يقطع أوصالهم، يحرق جثثهم، ويرسل رسائل دموية لكل من يعارضه. امتلك ترسانة من الأسلحة الثقيلة، واستعان بمرتزقة لتنفيذ عمليات التصفية والخطف، حتى تحوّل إلى وحشٍ خارج عن السيطرة، يهدد أمن الصعيد بالكامل.
المعركة الأخيرة.. سقوط الوحش
تحركت الدولة بكل قوتها، وقررت إنهاء هذه الأسطورة الدموية للأبد. جُهزت الحملات الأمنية الكبرى، حاصرت القرى، راقبت الجبال، ونصبت الكمائن في كل طريق. لم يكن القضاء على محسوب مهمةً سهلة، فقد كانت عصابته مدججة بالسلاح، تحتمي في أوكار محصنة، وتقاتل حتى الرمق الأخير.
لكن الأمن لم يتراجع، وبعد معركةٍ استمرت ساعات، ووسط زخات من الرصاص والقنابل، سقط “محمد محسوب” قتيلًا، مضرجًا بدمائه، وسط جثث أفراد عصابته. كانت لحظة سقوطه نهايةً لعصر الرعب، وانتصارًا ليد العدالة، التي لم تترك هذا الوحش يفر بفعلته.
نهاية عهد الدم
بمقتل “محمد محسوب”، انهار آخر قلاع “الخُط”، وسقطت راية الجريمة التي أرعبت الصعيد لعقود. اليوم، ينام الأهالي مطمئنين، بعد أن تحرروا من كابوسٍ جثم على صدورهم لسنوات.
لكن الرسالة الأهم أن الدولة لن تسمح بعودة “الخُط” من جديد، ولن تترك المجال لأي مجرمٍ ليعيد إحياء هذا العهد الدموي. فالقانون فوق الجميع، والعدالة لن تتهاون مع كل من يحاول تكرار هذه الجرائم.