
في خطوة تشريعية تعكس التزام الدولة بحقوق الإنسان وضمان العدالة للجميع، يناقش مجلس النواب تعديل قانون الإجراءات الجنائية لوضع إطار قانوني شامل لحماية المتهمين والمحكوم عليهم المصابين بأمراض عقلية أو نفسية. تهدف هذه التعديلات إلى تحقيق التوازن بين العدالة الجنائية ومتطلبات الرعاية الصحية، من خلال إجراءات واضحة تضمن عدم الإضرار بحقوق هذه الفئة أثناء التحقيق والمحاكمة وتنفيذ العقوبات.
إطار قانوني لضمان العدالة والإنصاف
يواجه المرضى النفسيون والعقليون تحديات كبيرة داخل النظام القضائي، حيث قد يكونون غير قادرين على الإدراك الكامل لأفعالهم أو الدفاع عن أنفسهم. لذا، فإن الحاجة إلى تنظيم قانوني يحمي حقوقهم أصبحت أمرًا ملحًا، خصوصًا في ظل التزام مصر بالمواثيق الدولية التي تضمن معاملة إنسانية لهذه الفئة.
وتشمل التعديلات الجديدة عدة محاور رئيسية، أبرزها:
1- إلزامية الفحص الطبي النفسي والعقلي
يتم إخضاع أي متهم يُشتبه في إصابته بمرض نفسي لفحص طبي إلزامي من قبل لجان متخصصة، مع إعداد تقرير شامل حول حالته وتأثير مرضه على مسؤوليته الجنائية.
2- تأجيل التحقيق أو المحاكمة عند الحاجة
يُمنح القضاء والنيابة العامة سلطة تعليق التحقيقات أو المحاكمة إذا أثبتت التقارير الطبية أن المتهم غير قادر على متابعة الإجراءات القانونية.
3- إيداع المرضى بمؤسسات علاجية بدلًا من السجون
يتم نقل المتهم المصاب باضطراب نفسي إلى منشأة طبية متخصصة بدلًا من الحبس الاحتياطي، بناءً على توصية طبية.
تُجرى مراجعة دورية لحالة المودعين بالمؤسسات العلاجية لتحديد مدى تقدمهم الصحي.
يُنفذ الحكم الصادر بحق المحكوم عليهم في مستشفيات متخصصة بدلًا من السجون العادية، مع مراجعة دورية لحالتهم الصحية ومدى تحسنهم.
4- توفير دفاع قانوني متخصص
يُكفل لكل متهم يعاني من اضطراب نفسي محامٍ متخصص لضمان تمثيله العادل أمام القضاء.
5- حماية حقوق المرضى النفسيين داخل المنشآت العقابية
منع تعرضهم لسوء المعاملة أو العزل غير المبرر.
منحهم حق التظلم في قرارات الإيداع أو استمرار الاحتجاز.
توفير برامج إعادة تأهيل مجتمعي بعد انتهاء العقوبة أو العلاج.
انعكاسات التعديلات على النظام القضائي والمجتمع
تعد هذه التعديلات نقلة نوعية في التشريع المصري، حيث تضمن عدالة أكثر إنسانية وتراعي الفروق بين المتهمين الأسوياء والمصابين بأمراض عقلية أو نفسية. كما أنها تحد من الأخطاء القضائية التي قد تؤدي إلى حبس أشخاص غير مسؤولين عن أفعالهم قانونيًا، وتساهم في تحسين صورة النظام القضائي المصري على الصعيدين المحلي والدولي.
تؤكد هذه التعديلات حرص الدولة على تطوير المنظومة القانونية بما يتماشى مع حقوق الإنسان والعدالة الجنائية الحديثة. ومع انتظار مناقشتها وإقرارها رسميًا، يبقى التنفيذ الفعلي هو التحدي الأكبر لضمان تحقيق الأهداف المرجوة منها.