
في خطوة تشريعية طال انتظارها، حمل القانون الجديد تعديلات جوهرية تمس أحد أبرز مظاهر العدالة الجنائية: التعويض عن الحبس الاحتياطي. وقد بات من حق من وقع عليه ضرر بسبب الحبس الاحتياطي أن يطالب بتعويض وفقًا لحالات وشروط محددة نظمها القانون، في إطار من الضمانات القانونية الصارمة لحماية حرية الأفراد.
الحبس الاحتياطي: إجراء وقائي أم ظلم محتمل؟
يُعد الحبس الاحتياطي أحد أبرز الإجراءات الوقائية التي تلجأ إليها سلطات التحقيق الجنائي لحماية مجريات العدالة ومنع المتهم من التأثير على سير التحقيق. ومع ذلك، فقد يتحول هذا الإجراء من وسيلة تحقيق إلى أداة ظلم عندما يُحبس شخص برئ لشهور أو سنوات ثم يُبرأ لاحقًا، دون أن يجد سبيلاً لإنصافه سوى الندم العام.
ما الجديد في القانون؟
جاء القانون الجديد ليعالج هذا الخلل عبر تنظيم حالات التعويض عن الحبس الاحتياطي في نصوص واضحة تقطع الشك باليقين، وتؤسس لمعادلة متوازنة بين حق الدولة في حفظ النظام، وحق الفرد في الحرية والتعويض إذا ما تعرض لضرر.
حالات استحقاق التعويض:
نص القانون على عدة حالات يكون فيها للمحبوس احتياطيًا الحق في المطالبة بالتعويض، من أبرزها:
1. البراءة النهائية:
إذا صدر حكم نهائي ببراءة المتهم بعد أن قضى فترة في الحبس الاحتياطي، يُعد ذلك سببًا مباشرًا للتعويض، ما لم يكن سبب البراءة هو عدم كفاية الأدلة مع توافر شبهة قوية وقت التحقيق.
2. الوقف النهائي للدعوى الجنائية:
في حالة صدور قرار نهائي من النيابة العامة أو قاضي التحقيق بحفظ التحقيق أو بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى لعدم الجريمة أو انعدام الأدلة.
3. التعسف أو الخطأ في تطبيق القانون:
إذا ثبت أن الحبس تم نتيجة خطأ جسيم من جهة التحقيق أو تعسف في استخدام السلطة، كأن يكون هناك تلفيق واضح أو تجاهل لأدلة البراءة.
4. المدة الزائدة عن الحد الأقصى:
إذا تجاوز الحبس الاحتياطي المدد القانونية دون مبرر قضائي مشروع، سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة.
5. الحالات الإنسانية أو الاجتماعية الاستثنائية:
وضع القانون في اعتباره الظروف الخاصة، مثل النساء الحوامل، أو العائل الوحيد لأسرة، أو أصحاب الأمراض المزمنة، مما يفتح الباب أمام تقدير قضائي رحيم.
إجراءات طلب التعويض:
لا يُصرف التعويض تلقائيًا، بل يجب على المتضرر أن يتقدم بطلب رسمي إلى اللجنة القومية لتعويض ضحايا الحبس الاحتياطي التي أنشأها القانون. وتقوم اللجنة بدراسة الطلب، والتحقق من توافر الشروط، وتقدير حجم الضرر المادي والمعنوي، قبل إصدار قرار ملزم بالتعويض.
التعويض ليس فقط مالياً
من اللافت أن القانون لم يحصر التعويض في الجانب المالي، بل فتح الباب أمام تعويض معنوي يتضمن:
رد الاعتبار أمام الجهات الرسمية.
حذف كل ما يتعلق بالحبس من السجلات الجنائية.
الاعتذار العلني من الجهات المختصة – في الحالات الجسيمة.
كلمة أخيرة
هذا القانون يعد نقلة نوعية في الفكر التشريعي المصري، ويعكس توجهًا واضحًا نحو ترسيخ دولة القانون وصون كرامة الإنسان. فالحبس الاحتياطي إجراء خطير يجب ألا يُستخدم إلا عند الضرورة القصوى، وإذا ثبت أن الضرر قد وقع دون وجه حق، فالتعويض يصبح واجبًا لا فضلًا.