في عالم يحترف فيه معتادوا الجريمة فن التخفي، تتجلى براعة وزارة الداخلية في فك خيوط شبكات غسل الأموال، حيث لا تُغسل الأموال في مياه النيل، بل تُصبغ في أروقة العقارات والسيارات والشركات.
حرب على الجريمة المنظمة، خاضتها الوزارة خلال شهر واحد، وحققت فيها انتصارات هزّت أركان عالم الظلال، لم تكن المليارات المتحصلة من تجارة المخدرات والسلاح والعملات والآثار مجرد أرقام جامدة؛ بل نبضت بحركة دؤوبة بين الأيدي التي أحكمت خداعها، ثم صبغتها بألوان “شرعية”، ولكن تحت مجهر العدالة، انكشف المستور، وظهرت خيوط العمليات التي تجاوزت قيمتها مليار جنيه في شهر واحد.
“صيد الكبار” شبكة دولية في مصيدة القانون
في واحدة من أكبر الضربات الأمنية، أوقفت الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة شبكة تتألف من خمسة متهمين، بينهم اثنان يحملان جنسية أجنبية، تخصصت الشبكة في التحويلات المالية غير المشروعة وتجارة النقد الأجنبي، معتمدين نظام المقاصة لتدوير الأموال بعيداً عن أعين القانون، وبين شراء الفيلات وتأسيس الشركات، بلغت قيمة أموالهم المغسولة نحو 170 مليون جنيه.
المخدرات في عباءة التجارة
في محافظة الجيزة، حيث يتداخل الدخان بالسراب، ضبطت الشرطة شخصين وسيدة أداروا عمليات غسل أموال بممتلكات قُدّرت بـ 300 مليون جنيه، حيث تنوعت أساليبهم بين تأسيس الأنشطة التجارية وشراء العقارات والسيارات، متسترين خلف واجهات قانونية تخفي جرائم الاتجار بالمخدرات.
“العملات الافتراضية” الوجه الجديد للجريمة
وفي عصر الرقمنة، لا تغيب العملات الافتراضية عن ساحة الجريمة، ففي محافظة الغربية، كشفت وزارة الداخلية نشاطاً إجرامياً لشخص استغل العملات الرقمية للترويج وتحقيق أرباح غير مشروعة، استخدم مكاسبه في شراء وحدات إدارية واستثمار الشركات، في محاولة يائسة لإضفاء الشرعية على مبلغ قدره 150 مليون جنيه.
شبكات المخدرات في المحافظات
في الدقهلية، أسقطت وزارة الداخلية شبكة مكونة من أربعة أفراد تورطوا في غسل أموال قُدّرت بـ 60 مليون جنيه، وهي أموال متحصلة من الاتجار بالمخدرات،أما في الشرقية، فقد أوقف صاحب شركة استغل أنشطته التجارية كستار لجرائمه، وبلغت أمواله المغسولة نفس القيمة تقريباً.
من أسود المال إلى أبيض المصير
غسل الأموال ليس فقط جريمة مالية، بل هو تبييض للجرم الأصلي الذي يصبغ بالدماء والألم، فالأموال التي تحمل رائحة المخدرات والدماء تتحول بلمسة من الحيلة إلى عقارات وسيارات أنيقة، لكن وزارة الداخلية، بعين لا تنام، حولت تلك الأموال إلى دليل يدين أصحابه، ويسقط قلاعهم المالية الوهمية.
إن جهود وزارة الداخلية لا تُحسب فقط بعدد القضايا المضبوطة، بل بما تحمله من رسائل قوية: لا ملاذ آمن للمجرمين مهما تعددت أساليبهم.
إن الحرب على غسل الأموال ليست مجرد مواجهة مع الجريمة، بل هي صراع من أجل الحفاظ على نزاهة الاقتصاد والمجتمع، حيث يبقى القانون هو السيد الذي لا يغسل يديه أبداً من محاسبة المذنبين.