حسين محمود يكتب: «الإخوان» في الأردن.. التنظيم الذي تجاوز الخط الأحمر

في دولة قامت بنيتها على التوازنات الدقيقة، لا تُعلن الحرب إلا إذا استُنفدت كل وسائل التهدئة. اليوم، تُغلق الأردن باب التسامح السياسي في وجه تنظيمٍ بات يشكل تهديدًا صريحًا للأمن الداخلي، لا لأنه يُعارض، بل لأنه يشتغل في الخفاء، يتحرك بين ثنايا المجتمع، ويزرع خلاياه في جسد الدولة.
الإخوان: جماعة خارج القانون… لكنها ما زالت تتحرك
منذ إسقاط صفة الشرعية القانونية عنها عام 2020، كان من المفترض أن تتلاشى «الإخوان» من المشهد العام. لكن الحقيقة أن الجماعة لم تتفكك، بل أعادت انتشارها في صورة أكثر خطورة: شبكات غير مرئية، تمويل خارجي مريب، وخطاب مزدوج يُدار بعناية فائقة. في العلن دعوة وأخلاق، وفي الخفاء تجنيد وتحريض وتخطيط.
التمويل الملوث: من أين تأتي الأموال؟ وأين تذهب؟
مصادر رفيعة كشفت عن تحويلات مالية تُجرى عبر شركات وهمية ومؤسسات خيرية تُدار من تركيا وقطر. الأموال تدخل البلاد تحت غطاء “مشروعات إنسانية”، لكنها تُضخ فعليًا في أنشطة ذات طابع سياسي وتنظيمي، منها دعم الحملات الإلكترونية، طباعة منشورات تحريضية، وتنظيم معسكرات تدريب فكري مغلقة تحت مسمى “الدعوة”.
ما يجري ليس نشاطًا خيريًا. ما يجري هو اختراق مباشر للسيادة.
اختراق الجامعات… وزرع القنابل الموقوتة
داخل الجامعات الأردنية، تعيش “الإخوان” في صمت ظاهر، لكن بتحرك نشط. هناك عناصر تتعمد استهداف الطلاب ذوي الظروف الاجتماعية الصعبة، تعرض مساعدات، ثم تفتح باب “الصحبة الإيمانية”، حتى يجد الطالب نفسه محاصرًا بمنهج فكري مغلق، يُمجد التنظيم ويُشيطن الدولة. ما يحدث ليس دعوة، بل عملية تفريخ أجيال مُسيّسة، جاهزة للاستخدام وقت الحاجة.
النقابات المهنية… مسارح الهيمنة الناعمة
بعض النقابات المهنية تحولت إلى بؤر ضغط سياسي غير معلن. وبدل أن تركز على خدمة أعضائها، تُستغل كمنصات لإعادة إنتاج الخطاب الإخواني، وتمرير رسائل ضد الدولة، والتحكم في قرارات داخلية تؤثر بشكل غير مباشر على السياسات العامة.
لماذا لا يزال الأردن في مرمى الجماعة؟
لأنها تعرف أن الأردن هو الخاصرة الرخوة التي يمكن استغلالها. الدولة منفتحة، والنظام يتعامل مع الجميع بصبر وحكمة. لكن الجماعة – كعادتها – قرأت هذا الانفتاح ضعفًا، واستغلته لإعادة بناء قواعدها التنظيمية، مدفوعة بدعم خارجي ومخططات تصدير الفوضى.
لكن الرسالة الرسمية باتت واضحة اليوم:
من يشتغل ضد الدولة، لن يُترك يتحرك بحرية. من يمارس السياسة تحت الطاولة، ستُسحب الطاولة من تحته.
المرحلة القادمة: تصفية الوجود غير المشروع
ما بين الحظر القانوني والرقابة الأمنية، تتحرك الدولة الأردنية بحزم. هناك تنسيق عالي المستوى بين وزارة الداخلية، ودائرة المخابرات، ومؤسسات رقابية لرصد أي نشاط يخالف القانون أو يتجاوز الدور الاجتماعي والدعوي الحقيقي. أي جمعية، حزب، أو كيان يثبت تورطه في تمويل خارجي مشبوه، أو تحريض ضد الدولة، سيتم تجميده ومحاسبة القائمين عليه بلا استثناء.
خاتمة: لا تسامح مع المشروع الخفي
الدولة الأردنية لم تعادِ يومًا العمل السياسي المنضبط، ولا الدعوة الصادقة. لكنها في المقابل لن تسمح بتحول أي كيان إلى “دولة داخل الدولة”. الإخوان – اليوم – لم يعودوا جماعة سياسية فقط، بل تنظيم يُحركه الخارج، ويُخطط من خلف الحدود.