
في خطوة قد تُحدث زلزالًا في أروقة الاقتصاد، تدرس الحكومة المصرية حاليًا إمكانية إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية المفروضة على تعاملات البورصة، وهي الضريبة التي أثقلت كاهل المستثمرين وتسببت في نزيف مستمر لأموال البورصة، ما أدى إلى انحدار واضح في أحجام التداول وفقدان الثقة بسوق المال المصري.
إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية: قرار يُعيد رسم مستقبل الاستثمار في مصر
منذ فرضها، كانت ضريبة الأرباح الرأسمالية بمثابة الكابوس الذي خيّم على سوق المال، حيث تسببت في هروب رؤوس الأموال، وضاعفت من مخاوف المستثمرين، وسط دعوات متزايدة لإلغائها، باعتبارها عائقًا أمام سيولة السوق وتنافسية البورصة على المستويين الإقليمي والدولي.
تراجع أحجام التداول.. وآثار كارثية على سيولة السوق
لم تكن تأثيرات الضريبة مجرد أرقام جامدة على الورق، بل تجلّت في صورة نزيف مستمر لرأس المال المستثمر في البورصة، حيث انخفضت أحجام التداول بشكل حاد، وتحولت البورصة إلى ساحة خالية من النشاط الحقيقي، الأمر الذي أعاق جهود الحكومة لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، خاصةً في ظل منافسة شرسة من الأسواق المجاورة.
ضريبة معقدة وإجراءات مرهقة.. فهل كانت تستحق؟
واجه تطبيق الضريبة منذ اليوم الأول مشكلات معقدة، بدايةً من احتساب صافي الأرباح بدقة، مرورًا بالإجراءات البيروقراطية المرهقة التي دفعت المستثمرين إلى الابتعاد عن السوق، وصولًا إلى تباين آليات التحصيل بين شركات الوساطة، مما أدى إلى حالة من التخبط والفوضى.
ضريبة الدمغة: بديل مثير للجدل.. ومخاوف من أعباء إضافية
في ظل هذه الظروف، تتجه الحكومة نحو إعادة فرض ضريبة الدمغة كبديل لضريبة الأرباح الرأسمالية، ولكن هذا البديل لم يمر دون إثارة جدل واسع بين المستثمرين والخبراء، حيث اعتبره البعض حلاً وسطًا، بينما وصفه آخرون بأنه “خروج من حفرة للوقوع في بئر”.
كيف تعمل ضريبة الدمغة؟ ولماذا قد تكون أقل ضررًا؟
ضريبة الدمغة تُفرض بنسبة ثابتة على إجمالي التعاملات، سواء كانت رابحة أو خاسرة، وهو ما يعني تحقيق إيرادات ثابتة للدولة دون الدخول في متاهات حساب الأرباح، ما يُسهّل عملية التحصيل ويُقلل من التهرب الضريبي.
مخاوف المستثمرين من الضريبة الجديدة
لكن، وعلى الرغم من سهولة التطبيق، تظل ضريبة الدمغة عبئًا إضافيًا، خاصة على المتعاملين اليوميين والمضاربين الذين يعتمدون على فروق الأسعار الصغيرة لتحقيق أرباح. فالضريبة هنا ستلتهم جزءًا من أرباحهم حتى في الأيام التي تشهد فيها السوق تراجعًا.
تحقيق صحفي: ما وراء الكواليس.. ولماذا تُصِر الحكومة على فرض الضرائب؟
الخبير الاقتصادي، د. محمود السيسي
“إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية هو تصحيح لخطأ كارثي ارتكبته الحكومة بحق سوق المال. لكن السؤال الحقيقي هو: لماذا تصر الدولة على تحصيل ضرائب من بورصة تعاني بالفعل من ضعف السيولة؟”
محمد عبدالفتاح، مدير إحدى شركات الوساطة
“ضريبة الدمغة قد تكون أقل ضررًا، لكنها لن تُعالج جذور المشكلة. السوق بحاجة إلى إعفاءات حقيقية ومشجعة، وليس إلى ضرائب تُغير مسمياتها فقط!”
الخبيرة المالية، منى الجمل
“الحكومة تبحث عن زيادة الإيرادات بأي طريقة ممكنة، حتى لو كان الثمن هو خنق البورصة. يجب أن تكون هناك رؤية اقتصادية واضحة تشجع الاستثمار بدلاً من فرض الضرائب العشوائية.”
إصلاح البورصة المصرية: هل هو مجرد مسكنات أم بداية تغيير حقيقي؟
في ظل كل هذه التطورات، تبرز تساؤلات مهمة حول مستقبل البورصة المصرية، وهل تكفي هذه الإجراءات لوقف نزيف رأس المال وإنقاذ السوق من حالة الركود؟
المستثمرون يترقبون.. والحذر سيد الموقف
وسط هذه الضبابية، يبقى المستثمرون في حالة ترقب مشوب بالحذر، في انتظار ما ستُسفر عنه الأيام القادمة من قرارات قد تعيد الحياة إلى البورصة أو تُغلق الأبواب أمام أي أمل في التعافي.
ما هو مستقبل الضرائب في البورصة المصرية؟
هل ستتراجع الحكومة عن فرض أي ضرائب مستقبلاً؟ أم أنها ستواصل البحث عن وسائل أخرى لتحصيل الإيرادات، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار السوق؟
خاتمة: سوق المال بين مطرقة الضرائب وسندان الإصلاحات
ما يحدث في البورصة المصرية اليوم ليس مجرد قرار بإلغاء ضريبة أو فرض أخرى، بل هو اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على اتخاذ قرارات اقتصادية شجاعة تُعزز من ثقة المستثمرين وتعيد الزخم إلى سوق يُعدّ المرآة الحقيقية للاقتصاد الوطني.
الأيام القادمة ستكشف الحقيقة، ولكن المؤكد أن سوق المال المصري بحاجة إلى ما هو أكثر من مجرد إلغاء ضريبة لتحقيق الانتعاش المنشود. فهل تتحلى الحكومة بالشجاعة اللازمة لاتخاذ الخطوة الصحيحة؟ أم أننا أمام فصل جديد من مسلسل الضغوط المالية والاقتصادية؟