
يُعدّ اليوم العالمي للمرأة، الذي يحتفل به في الثامن من مارس كل عام، مناسبة عالمية تهدف إلى تكريم إنجازات المرأة في مختلف المجالات، وتعزيز حقوقها، والمطالبة بالمساواة بين الجنسين.
لكن خلف هذا اليوم الطويل من الاحتفال، تكمن قصة نضال امتدت لعقود، حيث كان الطريق نحو الاعتراف به عالميًا مليئًا بالتحديات الاجتماعية والسياسية.
الجذور التاريخية لليوم العالمي للمرأة
بدأ اليوم العالمي للمرأة كحركة احتجاجية للنساء العاملات، لكنه تحول إلى مناسبة عالمية تهدف إلى تعزيز حقوق المرأة والمطالبة بالمساواة. وعلى مر العقود، شهد تطورات كبيرة، من كونه حدثًا محليًا إلى مناسبة رسمية تعترف بها الأمم المتحدة.
ورغم مرور أكثر من قرن على أول احتفال به، لا يزال هذا اليوم يذكّر العالم بأن الطريق نحو المساواة لم يكتمل بعد، وأن نضال النساء من أجل حقوقهن يجب أن يستمر حتى تتحقق العدالة للجميع.
نضال العاملات في القرن التاسع عشر
يعود أصل اليوم العالمي للمرأة إلى حركة النساء العاملات في أواخر القرن التاسع عشر، حيث كانت الظروف الاقتصادية القاسية وانعدام الحقوق الأساسية للنساء في أماكن العمل سببًا رئيسيًا في إشعال شرارة النضال. ففي 8 مارس 1857، خرجت آلاف العاملات في مصانع النسيج بمدينة نيويورك في مظاهرات للمطالبة بتحسين ظروف العمل، وتقليل ساعات العمل الطويلة، وزيادة الأجور، ومنحهن حقوقًا أساسية لم تكن متاحة آنذاك.
ورغم أن المظاهرة قمعت بعنف، إلا أنها كانت بداية لسلسلة من الاحتجاجات النسائية التي استمرت لعقود. وفي 1908، شهدت نيويورك مرة أخرى خروج 15 ألف امرأة في مظاهرة ضخمة تطالب بتحسين ظروف العمل، ومنح النساء حق التصويت، وإنهاء تشغيل الأطفال.
ظهور يوم وطني للمرأة في أمريكا
في عام 1909، نظمت “الحزب الاشتراكي الأمريكي” أول يوم وطني للمرأة في 28 فبراير، استجابةً للنضال المستمر من قبل العاملات في مجال النسيج والصناعات الأخرى. ظل هذا اليوم يُحتفل به سنويًا في الولايات المتحدة حتى عام 1913، وكان يهدف إلى تعزيز حقوق المرأة وتسليط الضوء على قضاياها الاجتماعية والاقتصادية.
مؤتمر كوبنهاجن 1910 وولادة الفكرة العالمية
شهد عام 1910 نقطة تحول مهمة عندما عُقد المؤتمر الدولي للمرأة العاملة في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، بمشاركة أكثر من 100 امرأة من 17 دولة مختلفة، بمن فيهن ناشطات، ونقابيات، وصحفيات، وبرلمانيات.
في هذا المؤتمر، اقترحت الناشطة الألمانية كلارا زيتكين تخصيص يوم عالمي للمرأة، يتم الاحتفال به سنويًا لتعزيز حقوق النساء والمطالبة بالمساواة. لاقى هذا الاقتراح دعمًا كبيرًا، لكنه لم يُحدد يوم بعينه في ذلك الوقت.
اليوم العالمي للمرأةاليوم العالمي للمرأة
أول احتفال باليوم العالمي للمرأة (1911)
في 19 مارس 1911، شهدت كل من ألمانيا، والنمسا، وسويسرا، والدنمارك أول احتفال رسمي بيوم المرأة العالمي، حيث خرجت مظاهرات حاشدة شارك فيها أكثر من مليون امرأة ورجل للمطالبة بحقوق النساء، بما في ذلك الحق في التصويت، وتحسين ظروف العمل، وإنهاء التمييز بين الجنسين.
وفي نفس العام، وقعت واحدة من أسوأ الكوارث العمالية، حيث نشب حريق في مصنع “Triangle Shirtwaist” بمدينة نيويورك، ما أدى إلى وفاة أكثر من 140 عاملة نتيجة لانعدام إجراءات السلامة.
ساهمت هذه المأساة في تسليط الضوء على ظروف العمل القاسية التي تعاني منها النساء، وزادت من زخم المطالبة بتحسين حقوقهن.
تبني اليوم العالمي للمرأة في الاتحاد السوفييتي (1917)
خلال الحرب العالمية الأولى، أصبحت قضية المرأة أكثر إلحاحًا، حيث بدأت النساء في دول عديدة بالمطالبة بدور أكبر في المجتمع والاقتصاد. في روسيا، خرجت النساء في 8 مارس 1917 (حسب التقويم الغريغوري، الموافق 23 فبراير حسب التقويم الروسي القديم) في احتجاجات ضخمة تطالب بـ”الخبز والسلام”، مما ساهم في اندلاع الثورة الروسية. نتيجة لهذه الاحتجاجات، منح القيصر نيكولاس الثاني النساء حق التصويت، لتصبح روسيا من أوائل الدول التي تعترف بحقوق المرأة السياسية.
بعد قيام الاتحاد السوفييتي، أصبح 8 مارس يومًا رسميًا للاحتفال بالمرأة في الدول الاشتراكية، وانتقلت الفكرة تدريجيًا إلى العديد من دول العالم.
يوم المرأةيوم المرأة
الاعتراف الرسمي من الأمم المتحدة (1975)
رغم أن اليوم العالمي للمرأة كان يُحتفل به في العديد من الدول لعقود، إلا أن الاعتراف الرسمي به لم يأتِ إلا في عام 1975، عندما أعلنت الأمم المتحدة “السنة الدولية للمرأة”، وبدأت في الاحتفال بهذا اليوم على مستوى عالمي. وفي عام 1977، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 32/142، الذي دعا الدول الأعضاء إلى تخصيص يوم من كل عام للاحتفال بحقوق المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين.
اليوم العالمي للمرأة في العصر الحديث
أصبح اليوم العالمي للمرأة مناسبة سنوية تُحتفل بها في مختلف دول العالم بطرق متعددة، تشمل المسيرات، والفعاليات الثقافية، والندوات، والمؤتمرات التي تناقش قضايا المرأة وحقوقها. كما تُخصص الأمم المتحدة في كل عام شعارًا محددًا يعكس قضايا النساء المعاصرة، مثل “المساواة بين الجنسين اليوم من أجل غدٍ مستدام”، أو “كسر التحيز”.
ورغم التقدم الكبير الذي حققته المرأة في مختلف المجالات، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، خاصة في بعض الدول التي تعاني فيها النساء من التمييز، وعدم تكافؤ الفرص، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. ولذلك، يظل هذا اليوم فرصة لتقييم الإنجازات، وتسليط الضوء على القضايا التي تحتاج إلى مزيد من العمل.