
وسط أجواء التوتر والاضطراب التي تخيم على الأراضي الفلسطينية، جاءت انفجارات الحافلات الفارغة في تل أبيب لتشعل فتيل أزمة جديدة، يتجاوز صداها حدود المدينة لتصل إلى عمق الضفة الغربية.
ومع غياب إعلان أي جهة فلسطينية مسؤوليتها عن التفجيرات، تزايدت الشكوك حول دوافع الحادث، خاصة في ظل دعوات سريعة من مسؤولين إسرائيليين لتوسيع العمليات العسكرية في الضفة الغربية.
تفجيرات غامضة.. وذريعة للتصعيد
وقع الحادث مساء الخميس عندما أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن وقوع انفجارات في ثلاث حافلات فارغة في ضواحي تل أبيب، تم العثور داخلها على أربع عبوات ناسفة.
ورغم عدم وقوع إصابات، فإن الحادث أثار ردود فعل سياسية وأمنية واسعة، حيث طالب عدد من الوزراء المقربين من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتكثيف الهجمات على مدن الضفة الغربية، ووقف أي حديث عن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين ضمن صفقة التبادل.
وبناءً على ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي، في الساعات الأولى من صباح الجمعة، تعزيز قواته في الضفة الغربية عبر نشر ثلاث كتائب إضافية في جنين وطولكرم ومناطق أخرى، مع إغلاق بعض نقاط الدخول، متذرعًا بتقييمات أمنية جديدة.
افتعال الحادث لتبرير الهجوم
رأى محللون سياسيون أن توقيت تفجير الحافلات وطريقة تعاطي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية معه يثيران تساؤلات حول إمكانية أن يكون الحادث مفتعلًا لتبرير توسيع العمليات العسكرية في الضفة الغربية.
ووفقًا لهؤلاء المحللين، فإن هناك عدة مؤشرات تعزز هذه الفرضية، منها حالة الهدوء النسبي التي سادت موقع الانفجار، حيث أظهرت الصور المنشورة تعامل أفراد الأمن ببرود غير معتاد في مثل هذه الحوادث.
كما أن وقوع التفجيرات بعد أيام من هدوء نسبي على جبهة الضفة وغزة، يعزز الشكوك بشأن استغلال الحادث كذريعة لتصعيد عسكري جديد.
الهدف: إعادة رسم خريطة الضفة
يرى مراقبون أن الهدف الحقيقي وراء هذا التصعيد قد يتجاوز الرد الأمني ليصل إلى تغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي في الضفة الغربية. فالعمليات العسكرية المكثفة التي يشنها الجيش الإسرائيلي، خصوصًا في جنين وطولكرم، تأتي في سياق أوسع يتعلق بتقسيم الضفة إلى مناطق منفصلة، ما يسهل السيطرة عليها وضم أجزاء منها ضمن مشروع استيطاني مدعوم أمريكيًا.
وفي هذا السياق، أشار محللون إلى أن إسرائيل تستغل مثل هذه الحوادث لتبرير استمرار حملاتها العسكرية، التي لم تتوقف منذ أشهر.
إذ أدت العمليات الأخيرة إلى تدمير واسع للبنية التحتية الفلسطينية، خاصة في المخيمات، وإجبار عشرات الآلاف من السكان على النزوح بحثًا عن الأمان.
انعكاسات إنسانية واقتصادية
التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد ليترك أثرًا واضحًا على حياة الفلسطينيين اليومية. فالإغلاقات المتكررة لنقاط العبور، والاقتحامات المتواصلة للمدن والمخيمات، تعيق حركة المواطنين وتشل الأنشطة الاقتصادية، خاصة في المدن التي تعتبر معاقل للمقاومة الفلسطينية، مثل جنين ونابلس.
إضافة إلى ذلك، فإن استمرار العمليات العسكرية يزيد من معاناة السكان، حيث تتعرض منازلهم للهدم وتُدمر مرافق البنية التحتية، ما يؤدي إلى نزوح المزيد من العائلات إلى مناطق أكثر أمنًا.
تصعيد مؤقت أم سياسة ممنهجة؟
في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمثل هذا التصعيد الإسرائيلي مجرد رد فعل على حادث أمني، أم أنه جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى فرض واقع جديد في الضفة الغربية؟
التجارب السابقة تشير إلى أن إسرائيل غالبًا ما تستغل الحوادث الأمنية لتبرير إجراءاتها العسكرية والسياسية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتوسيع الاستيطان والسيطرة على الأراضي الفلسطينية. ومع استمرار عمليات الجيش الإسرائيلي وتصاعد التوتر، يبدو أن الضفة الغربية مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد، قد تكون تداعياتها أكثر اتساعًا وتأثيرًا من مجرد تفجير حافلات فارغة.