العالمعاجل

العقوبات الأمريكية على الجنائية الدولية دوافع سياسية أم قانونية؟.. ترامب يهدد استقلالية المحكمة.. والمجلس الأوروبي: يقوض العدالة

كتب- محمد فهمي

لطالما مثلت المحكمة الجنائية الدولية (ICC) حجر الزاوية في النظام القضائي الدولي، حيث تهدف إلى تحقيق العدالة والمساءلة عن الجرائم الدولية، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

 

لكن فرض العقوبات الأمريكية عليها يثير تساؤلات قانونية وأخلاقية خطيرة: هل يحق لدولة مثل الولايات المتحدة، التي ليست طرفا في نظامها الأساسي، معاقبة مؤسسة قانونية دولية؟

 

بموجب القانون الدولي، تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بولاية مستقلة لا تخضع لسلطة أي دولة منفردة. ومع ذلك، فإن فرض العقوبات من قبل الولايات المتحدة يطرح معضلة حول مدى التزام واشنطن بمبادئ العدالة الدولية عندما تتعارض مع مصالحها أو مصالح حلفائها.

 

يرى البعض أن هذا التصرف ينتهك مبدأ استقلال القضاء الدولي، بينما يبرره آخرون بأنه دفاع مشروع عن السيادة الوطنية وعدم الاعتراف بسلطة المحكمة على الدول غير الأعضاء.

 

المجلس الأوروبي يحذر من تهديد استقلال المحكمة الجنائية الدولية

أعلن المجلس الأوروبي أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على المحكمة الجنائية الدولية تهدد استقلالها وتقوض نظام العدالة الدولية. وأوضح المجلس أن المحكمة الجنائية الدولية تلعب دورًا حاسمًا في ضمان عدم الإفلات من العقاب، وأن أي محاولات للضغط عليها قد تؤثر سلبًا على دورها في محاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة.

 

فرض العقوبات الأمريكية: دوافع سياسية أم قانونية؟

في العام الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، مما أثار غضب الولايات المتحدة وإسرائيل. وردًا على ذلك، أعلنت إدارة البيت الأبيض عن فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، معتبرة أن المحكمة تجاوزت صلاحياتها وتدخلت في شؤون دول ليست أعضاء فيها.

 

جاء في بيان البيت الأبيض أن المحكمة “نفذت أعمالًا غير قانونية ولا أساس لها”، متهمة إياها بتوجيه “اتهامات غير مبررة” ضد مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين. وادعى البيان أن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها سلطة قضائية على الولايات المتحدة أو إسرائيل، لأن كلا البلدين لم ينضم إلى نظام روما الأساسي.

 

من أفغانستان إلى غزة.. “الجنائية الدولية” عاجزة أمام المصالح الأمريكية |  القاهرة الاخبارية

الكونجرس الأمريكي ينقسم بشأن العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية

رغم الموقف الصارم من إدارة ترامب، شهد الكونجرس الأمريكي انقسامًا بشأن هذه العقوبات. ففي مجلس الشيوخ، فشل الجمهوريون في تمرير مشروع قانون “مكافحة المحكمة غير الشرعية”، الذي يهدف إلى فرض عقوبات على أي جهة تحقق مع مواطنين أمريكيين أو حلفاء للولايات المتحدة. إذ لم يحصل المشروع على العدد اللازم من الأصوات لتمريره، حيث عارضه الديمقراطيون بأغلبية 54 صوتًا مقابل 45.

 

على الجانب الآخر، وافق مجلس النواب، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، على التشريع بأغلبية 243 صوتًا مقابل 140، ما يعكس الانقسام العميق بين الحزبين حول كيفية التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية.

 

ترامب: المحكمة الجنائية الدولية تهدد السيادة الأمريكية

في تعليقه على العقوبات، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن المحكمة الجنائية الدولية “ليس لها أي ولاية قضائية على الولايات المتحدة أو إسرائيل”، مؤكدًا أن إجراءاتها “تمثل سلوكًا خبيثًا يهدد السيادة الأمريكية ويقوض الأمن القومي والسياسة الخارجية”.

 

وأضاف ترامب أن بلاده “تعارض بشكل قاطع أي إجراءات تتخذها المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل”، مشددًا على ضرورة أن يحترم المجتمع الدولي قرار الولايات المتحدة بعدم الاعتراف بسلطة المحكمة. وأشار إلى أن واشنطن ستفرض “عواقب ملموسة” على المحكمة، قد تشمل حظر الممتلكات والأصول وتعليق دخول مسؤوليها إلى الولايات المتحدة.

 

ازدواجية المعايير في السياسة الأمريكية؟

منذ تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، كان هناك انتقادات دائمة للولايات المتحدة بسبب موقفها المتناقض تجاهها. ففي حين تدعم واشنطن عمل المحكمة عندما تحقق في جرائم ضد خصومها، تعارضها بشدة عندما تمس مصالحها أو مصالح حلفائها، لا سيما إسرائيل.

 

يرى بعض الخبراء أن العقوبات المفروضة على المحكمة الجنائية الدولية تمثل “مثالًا آخر على المعايير الأمريكية المزدوجة”، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى معاقبة المحكمة لمجرد أنها أدت وظيفتها في التحقيق في جرائم مزعومة. بينما يؤكد مؤيدو العقوبات أن المحكمة تجاوزت صلاحياتها وتدخلت في شؤون دول ذات سيادة.

 

مستقبل المحكمة الجنائية الدولية في ظل الضغوط الأمريكية

تشكل العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية تحديًا خطيرًا لاستقلالية النظام القضائي الدولي. وبينما تسعى المحكمة إلى أداء دورها في تحقيق العدالة والمساءلة، تواجه مقاومة شديدة من الدول القوية التي ترفض الخضوع لسلطتها.

 

يبقى السؤال الأهم: هل ستؤثر هذه الضغوط على قدرة المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب، أم أنها ستصمد أمام هذه التحديات وتحافظ على دورها كجهة مستقلة لتحقيق العدالة الدولية؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف مدى قدرة المحكمة على مواجهة هذه التحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى