
الموت على الأسفلت لم يعد استثناءً… بل أصبح قاعدة.
كل يوم يخرج العشرات من بيوتهم ولا يعودون. يخرجون بسياراتهم، بأحلامهم، بأطفالهم، ولكنهم لا يصلون أبدًا. لماذا؟ لأن الطرق في مصر تحوّلت إلى مصائد موت، يختطف فيها الإهمال أرواح الأبرياء بلا هوادة… ولا أحد يحاسب أحد.
مجزرة جديدة كل 48 ساعة
منذ بداية هذا العام، وعلى مدار 5 شهور فقط، وقعت مئات الحوادث المروعة التي تجرّدت فيها الأرواح من أي قيمة.
حادث “أسيوط الصحراوي” الأخير ليس مجرد حادث… بل مذبحة كاملة الأركان: شاحنة نقل تسير بسرعة جنونية، تصطدم بـ17 سيارة متوقفة بسبب عطل في أحدها، لتندلع النيران وتتحول السيارات إلى توابيت حديدية مشتعلة. الجثث احترقت بداخلها لدرجة أن الطب الشرعي لم يستطع تحديد هويتها فورًا.
ثلاث أسر بأكملها ماتت في لحظة. طفل رضيع احترق في حضن أمه. شاب كان في طريقه لفرحه… تحول لجثة متفحمة.
ما الذي يحدث؟!
لماذا أصبح كل من يقود على الطريق السريع يعرف أنه قد لا يعود؟
هل أصبح الطريق العام ساحة للقتل العشوائي؟
أين الدولة؟ أين المحاسبة؟ لماذا لم تُغلق شركة نقل واحدة؟ لماذا تُترك الشاحنات المتهالكة تقطع الطريق كوحوش حديدية بلا عقل؟
وزارة الداخلية تؤكد: السبب بشري بنسبة 70%
مصدر أمني رفيع المستوى أكد لنا أن أغلب الحوادث ناتجة عن السرعة الجنونية، الإهمال، المخدرات، النوم أثناء القيادة، وعدم صيانة المركبات.
وأضاف أن هناك حالات يتم ضبط فيها سائقون تحت تأثير المخدرات يقودون شاحنات تزن 40 طنًا!
والمصيبة الأكبر: بعض هؤلاء السائقين لا يملكون رخص قيادة أصلًا… بل “يشتغلوا على البركة”.
الأرقام تحكي الكارثة
أكثر من 9000 حادث طريق خلال 12 شهرًا.
3800 قتيل، من بينهم أطفال، أمهات، طلاب جامعات، عمال، موظفون، وعائلات كاملة.
أكثر من 1200 سيارة دُمِّرت تمامًا.
خسائر اقتصادية تتجاوز المليار جنيه سنويًا.
لكن رغم كل هذا… لا شيء يتغير!
الناس تموت… والرد الرسمي: جاري التحقيق!
في كل مرة تحدث فيها كارثة، نجد نفس التصريحات المعلبة:
“جاري التحقيق – المعاينة مستمرة – سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية”.
لكن لا نرى محاسبة فعلية، ولا تعويض حقيقي، ولا رد اعتبار لأهالي الضحايا.
كل ما نراه هو دماء تُغسل بالماء، وأرواح تُلف بالكفن، ثم يعود كل شيء كما كان!
أين الحكومة؟ أين وزارة النقل؟
لماذا لا تُفرض رقابة صارمة على الشاحنات الثقيلة؟
لماذا لا يُطبق الفحص الفني الإجباري بصرامة؟
لماذا لا تُحاسب الشركات التي ترسل سائقين متهورين في مهمات قاتلة؟
لماذا لا توجد كاميرات مراقبة حقيقية على كل طريق سريع؟
لماذا لا تُجبر شركات النقل على تركيب محددات سرعة؟
أسئلة تطرحها كل أسرة فقدت عزيزًا… دون أي إجابة!
حكايات من الجحيم
والدة “آية”، الطالبة الجامعية التي ماتت في حادث الطريق الدائري الأوسطي، تقول:
“بنتي كانت راجعة من الجامعة، الحافلة انقلبت بسبب السرعة، مفيش إسعاف، الناس نقلوها في توك توك… ونزفت لحد ما ماتت. موت بطيء وظلم من كل ناحية.”
“أحمد”، أب فقد زوجته وابنيه في حادث الكريمات:
“مراتي وولادي ماتوا محروقين… حرفيًا. عرفتهم من خواتمهم. ولحد دلوقتي محدش قاللي مين المسؤول!”
صرخة أخيرة: كفاية دم!
الدم لا يُغسل بالتصريحات.
الأرواح لا تُعوض ببيانات صحفية.
الطريق ليس ملكًا لمن يملكون سيارات أكبر أو صوت أعلى.
نحن أمام أزمة أمن قومي حقيقية، تستدعي إعلان حالة طوارئ في منظومة النقل، وتطهير شامل لجهاز الرقابة، وتحديث البنية التحتية، وتطبيق القانون بمنتهى الحزم.