عاجلمقالات

إبراهيم فياض يكتب: سياسة الكلمة أم سياسة الفهم

في الأيام الأخيرة، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحات الملك عبدالله الثاني خلال زيارته للولايات المتحدة ولقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وصفه البعض بالخيانة، واتهموه بتقديم تنازلات في القضية الفلسطينية، خاصة بعد حديثه عن انتظار خطة مصر لحل الأزمة. ولكن، هل هذه هي الحقيقة؟ أم أن هناك استراتيجية سياسية مدروسة خلف هذه التصريحات؟

أولًا: لماذا التقى الملك عبدالله بترامب؟

منذ عودته إلى البيت الأبيض، فرض الرئيس دونالد ترامب أجندة جديدة في الشرق الأوسط، وأصبح لزامًا على الدول العربية إعادة ترتيب أوراقها وفق هذه المتغيرات. الملك عبدالله يدرك تمامًا أن الأردن لا يستطيع البقاء على الهامش في الملفات الكبرى، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، لذا كان اللقاء مع ترامب ضروريًا لنقل وجهة النظر العربية مباشرة إلى أعلى مستويات القرار في واشنطن.

ثانيًا: التنسيق الأردني – المصري قبل الزيارة

قبل سفره إلى الولايات المتحدة، التقى الملك عبدالله بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في اجتماع مغلق، وهو ما يكشف أن تصريحاته لم تكن فردية أو مرتجلة، بل جاءت ضمن خطة سياسية منسقة مع القاهرة. مصر تمتلك مفتاح الحل في غزة، والأردن يمثل صوتًا عربيًا قويًا في المشهد الدولي، لذا كان لا بد من توحيد المواقف قبل لقاء ترامب.

ثالثًا: لماذا قال الملك “ننتظر خطة مصر”؟

هذه العبارة التي اعتبرها البعض تراجعًا أو ضعفًا، هي في الواقع استراتيجية سياسية ذكية. مصر، بحكم موقعها الجغرافي وثقلها الإقليمي، هي اللاعب الرئيسي في الملف الفلسطيني، وأي تحرك دون موافقتها قد يكون بلا تأثير حقيقي. الملك عبدالله لم يكن يتنازل عن موقف الأردن، بل كان يؤكد أن الأردن لن يتحرك منفردًا، بل في إطار موقف عربي موحد تقوده مصر.

رابعًا: لماذا وصف الملك عبدالله ترامب بـ”رجل سلام”؟

بعض المنتقدين تمسكوا بهذه العبارة لتوجيه اتهامات بالخيانة، ولكن الحقيقة أن السياسة لا تُدار بالتصريحات الحادة، بل بالحكمة والدبلوماسية. ترامب، كرئيس لأكبر قوة في العالم، يمتلك نفوذًا هائلًا في أي تسوية سياسية بالمنطقة، والأردن يدرك أن بناء علاقة متوازنة مع إدارته هو المفتاح لحماية المصالح الفلسطينية والعربية.

هل كان الملك عبدالله سيذهب إلى واشنطن ويهاجم ترامب وجهًا لوجه؟ بالطبع لا. السياسة تتطلب لغة مرنة، لكنها لا تعني التنازل عن المبادئ. الهدف من اللقاء كان تثبيت الموقف الأردني والعربي، ومنع أي قرارات أمريكية قد تُفرض على الفلسطينيين دون توافق إقليمي.

خامسًا: ماذا لو لم يتحرك الأردن؟

تخيلوا لو أن الملك عبدالله تجاهل لقاء ترامب، هل كان ذلك سيخدم القضية الفلسطينية؟ بالعكس، كان سيُفسح المجال أمام إسرائيل للضغط على الإدارة الأمريكية دون وجود صوت عربي داخل الغرفة. وجود الملك عبدالله هناك يعني أن هناك لاعبًا عربيًا أساسيًا في معادلة صنع القرار، وأن الأردن لن يسمح بأي تهجير أو تصفية للقضية الفلسطينية.

الخلاصة: لا تخونوا من يحاول الحفاظ على القضية

الهجوم على الملك عبدالله بسبب عبارات دبلوماسية هو فخ إعلامي وقع فيه البعض. السياسة لا تُدار بالعواطف أو الشعارات الحماسية، بل بالتخطيط والحكمة. الأردن ليس دولة عظمى، لكنه يمثل ركيزة أساسية في القضية الفلسطينية، ويعمل بالتنسيق مع مصر لضمان عدم فرض حلول غير عادلة على الفلسطينيين.

ما يحدث ليس تنازلًا أو خيانة، بل خطة سياسية متفق عليها مع القاهرة للحفاظ على وحدة الموقف العربي. لهذا، علينا أن نكون أكثر وعيًا، وألا ننجر وراء حملات التشويه التي تحاول تفتيت الصف العربي في هذه اللحظة الحرجة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى