
بموجب التعديلات الأخيرة التي أقرها مجلس النواب على قانون المواريث بالقانون رقم 219 لسنة 2017، أصبحت جريمة الامتناع عن تسليم الميراث جريمة جنائية يعاقب مرتكبها بعقوبة مشددة، تهدف إلى ردع كل من يحاول انتهاك هذا الحق الأصيل.
تنص المادة (49 مكررًا) من قانون المواريث على أن:
“يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من التركة، أو حجب سندًا يؤكد نصيب هذا الوارث، أو امتنع عن تسليم مستند يثبت استحقاقه للميراث.”
تدرج العقوبة: غرامة ثم حبس
بحسب فقهاء القانون، فإن المشرع منح القاضي سلطة تقديرية إما بتوقيع الحبس وحده أو الغرامة وحدها، أو الجمع بين العقوبتين معًا، وذلك بحسب ظروف كل واقعة. فإذا كان الامتناع بسيطًا وتم حله سريعًا، قد يكتفي القاضي بالغرامة، أما إذا تبين سوء النية والتعمد الواضح، فيُغلظ العقوبة وصولًا إلى الحبس.
وفي حال العودة أو تكرار الامتناع عن تسليم الميراث، يجوز للمحكمة أن تضاعف العقوبة، مما يجعل النص القانوني سلاحًا رادعًا لكل من تسول له نفسه حرمان الورثة من حقوقهم.
إجراءات تحريك الدعوى الجنائية
أوضح قانون المواريث أن تحريك الدعوى الجنائية ضد الممتنع عن تسليم الميراث يتم بناءً على شكوى من صاحب المصلحة، سواء كان أحد الورثة أو من ينوب عنه قانونيًا، ولا تتحرك النيابة العامة من تلقاء نفسها.
وتبدأ الإجراءات بتقديم شكوى إلى قسم الشرطة المختص أو النيابة، مرفقة بالمستندات الدالة على الحق في الميراث، ثم يتم التحقيق وسماع أقوال الأطراف، وفي حالة ثبوت الاتهام يتم إحالة المتهم للمحاكمة الجنائية.
موقف الشريعة الإسلامية
تؤكد الشريعة الإسلامية أن حرمان الورثة من حقوقهم يُعد من الكبائر، حيث قال تعالى في سورة النساء:
“يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ…”
مما يدل على أن توزيع التركة أمر إلهي لا يجوز العبث به.
وقد شدد الفقهاء على أن من أكل حق غيره في الميراث فقد أتى ظلمًا عظيمًا يستوجب الإثم والعقاب في الدنيا والآخرة.
نماذج واقعية: القانون ينتصر للحق
منذ تطبيق القانون، شهدت المحاكم المصرية العديد من القضايا التي انتهت بإصدار أحكام حبس ضد ممتنعين عن تسليم الميراث، مما ساهم بشكل ملحوظ في تقليل تلك الجرائم الاجتماعية، وأعاد الأمل لكثير من الورثة المظلومين في استرداد حقوقهم المشروعة.
ختامًا: قانون تجريم الامتناع عن تسليم الميراث يمثل خطوة حقيقية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وصون كرامة الإنسان وحقوقه. فالميراث ليس فقط مالًا يُورث، بل هو حق مقدس يجب احترامه وتنفيذه بكل أمانة، وفق نصوص الشريعة والقانون.